تفسير ابن كثر - سورة مريم - الآية 22

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) (مريم) mp3
يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ مَرْيَم أَنَّهَا لَمَّا قَالَ لَهَا جِبْرِيل عَنْ اللَّه تَعَالَى مَا قَالَ إِنَّهَا اِسْتَسْلَمَتْ لِقَضَاءِ اللَّه تَعَالَى فَذَكَرَ غَيْر وَاحِد مِنْ عُلَمَاء السَّلَف أَنَّ الْمَلَك وَهُوَ جَبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام عِنْد ذَلِكَ نَفَخَ فِي جَيْب دِرْعهَا فَنَزَلَتْ النَّفْخَة حَتَّى وَلَجَتْ فِي الْفَرْج فَحَمَلَتْ بِالْوَلَدِ بِإِذْنِ اللَّه تَعَالَى فَلَمَّا حَمَلَتْ بِهِ ضَاقَتْ ذَرْعًا وَلَمْ تَدْرِ مَاذَا تَقُول لِلنَّاسِ فَإِنَّهَا تَعْلَم أَنَّ النَّاس لَا يُصَدِّقُونَهَا فِيمَا تُخْبِرهُمْ بِهِ غَيْر أَنَّهَا أَفْشَتْ سِرّهَا وَذَكَرَتْ أَمْرهَا لِأُخْتِهَا اِمْرَأَة زَكَرِيَّا وَذَلِكَ أَنَّ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ قَدْ سَأَلَ اللَّه الْوَلَد فَأُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ فَحَمَلَتْ اِمْرَأَته فَدَخَلَتْ عَلَيْهَا مَرْيَم فَقَامَتْ إِلَيْهَا فَاعْتَنَقَتْهَا وَقَالَتْ أَشَعُرْت يَا مَرْيَم أَنِّي حُبْلَى ؟ فَقَالَتْ لَهَا مَرْيَم وَهَلْ عَلِمْت أَيْضًا أَنِّي حُبْلَى وَذَكَرَتْ لَهَا شَأْنهَا وَمَا كَانَ مِنْ خَبَرهَا وَكَانُوا بَيْت إِيمَان وَتَصْدِيق ثُمَّ كَانَتْ اِمْرَأَة زَكَرِيَّا بَعْد ذَلِكَ إِذَا وَاجَهَتْ مَرْيَم تَجِد الَّذِي فِي بَطْنهَا يَسْجُد لِلَّذِي فِي بَطْن مَرْيَم أَيْ يُعَظِّمهُ وَيَخْضَع لَهُ فَإِنَّ السُّجُود كَانَ فِي مِلَّتهمْ عِنْد السَّلَام مَشْرُوعًا كَمَا سَجَدَ لِيُوسُف أَبَوَاهُ وَإِخْوَته وَكَمَا أَمَرَ اللَّه الْمَلَائِكَة أَنْ يَسْجُدُوا لِآدَم عَلَيْهِ السَّلَام وَلَكِنْ حُرِّمَ فِي مِلَّتنَا هَذِهِ تَكْمِيلًا لِتَعْظِيمِ جَلَال الرَّبّ تَعَالَى قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحُسَيْن قَالَ قُرِئَ عَلَى الْحَارِث بْن مِسْكِين وَأَنَا أَسْمَع أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن الْقَاسِم قَالَ : قَالَ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه بَلَغَنِي أَنَّ عِيسَى اِبْن مَرْيَم وَيَحْيَى بْن زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَام اِبْنَا خَالَة وَكَانَ حَمْلهمَا جَمِيعًا مَعًا فَبَلَغَنِي أَنَّ أُمّ يَحْيَى قَالَتْ لِمَرْيَم إِنِّي أَرَى أَنَّ مَا فِي بَطْنِي يَسْجُد لِمَا فِي بَطْنك قَالَ مَالِك أَرَى ذَلِكَ لِتَفْضِيلِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام لِأَنَّ اللَّه جَعَلَهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَيُبْرِئ الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص ثُمَّ اِخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مُدَّة حَمْل عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَالْمَشْهُور عَنْ الْجُمْهُور أَنَّهَا حَمَلَتْ بِهِ تِسْعَة أَشْهُر وَقَالَ عِكْرِمَة ثَمَانِيَة أَشْهُر قَالَ وَلِهَذَا لَا يَعِيش وَلَد الثَّمَانِيَة أَشْهُر وَقَالَ اِبْن جُرَيْج أَخْبَرَنِي الْمُغِيرَة بْن عُتْبَة بْن عَبْد اللَّه الثَّقَفِيّ سَمِعَ اِبْن عَبَّاس وَسُئِلَ عَنْ حَمْل مَرْيَم قَالَ لَمْ يَكُنْ إِلَّا أَنْ حَمَلَتْ فَوَضَعَتْ وَهَذَا غَرِيب وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذ مِنْ ظَاهِر قَوْله تَعَالَى " فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا فَأَجَاءَهَا الْمَخَاض إِلَى جِذْع النَّخْلَة " فَالْفَاء وَإِنْ كَانَتْ لِلتَّعْقِيبِ لَكِنْ تَعْقِيب كُلّ شَيْء بِحَسْبِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى " وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان مِنْ سُلَالَة مِنْ طِين ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَة فِي قَرَار مَكِين ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَة عَلَقَة فَخَلَقْنَا الْعَلَقَة مُضْغَة فَخَلَقْنَا الْمُضْغَة عِظَامًا " فَهَذِهِ الْفَاء لِلتَّعْقِيبِ بِحَسَبِهَا وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ بَيْن كُلّ صِفَتَيْنِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَقَالَ تَعَالَى " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّه أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِح الْأَرْض مُخْضَرَّة " فَالْمَشْهُور الظَّاهِر وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير أَنَّهَا حَمَلَتْ بِهِ كَمَا تَحْمِل النِّسَاء بِأَوْلَادِهِنَّ وَلِهَذَا لَمَّا ظَهَرَتْ مَخَايِل الْحَمْل بِهَا وَكَانَ مَعَهَا فِي الْمَسْجِد رَجُل صَالِح مِنْ قَرَابَاتهَا يَخْدُم مَعَهَا الْبَيْت الْمُقَدَّس يُقَال لَهُ يُوسُف النَّجَّار فَلَمَّا رَأَى ثِقَل بَطْنهَا وَكِبَره أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرهَا ثُمَّ صَرَفَهُ مَا يَعْلَم مِنْ بَرَاءَتهَا وَنَزَاهَتهَا وَدِينهَا وَعِبَادَتهَا ثُمَّ تَأَمَّلَ مَا هِيَ فِيهِ فَجَعَلَ أَمْرهَا يَجُوس فِي فِكْره لَا يَسْتَطِيع صَرْفه عَنْ نَفْسه فَحَمَلَ نَفْسه عَلَى أَنْ عَرَّضَ لَهَا فِي الْقَوْل فَقَالَ يَا مَرْيَم إِنِّي سَائِلك عَنْ أَمْر فَلَا تَعْجَلِي عَلَيَّ . قَالَتْ وَمَا هُوَ ؟ قَالَ هَلْ يَكُون قَطُّ شَجَر مِنْ غَيْر حَبّ وَهَلْ يَكُون زَرْع مِنْ غَيْر بَذْر وَهَلْ يَكُون وَلَد مِنْ غَيْر أَب ؟ فَقَالَتْ نَعَمْ وَفَهِمَتْ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ أَمَّا قَوْلك هَلْ يَكُون شَجَر مِنْ غَيْر حَبّ وَزَرْع مِنْ غَيْر بَذْر فَإِنَّ اللَّه قَدْ خَلَقَ الشَّجَر وَالزَّرْع أَوَّل مَا خَلَقَهُمَا مِنْ غَيْر حَبّ وَلَا بَذْر وَهَلْ يَكُون وَلَد مِنْ غَيْر أَب فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ خَلَقَ آدَم مِنْ غَيْر أَب وَلَا أُمّ فَصَدَّقَهَا وَسَلَّمَ لَهَا حَالهَا وَلَمَّا اِسْتَشْعَرَتْ مَرْيَم مِنْ قَوْمهَا اِتِّهَامهَا بِالرِّيبَةِ اِنْتَبَذَتْ مِنْهُمْ مَكَانًا قَصِيًّا أَيْ قَاصِيًا مِنْهُمْ بَعِيدًا عَنْهُمْ لِئَلَّا تَرَاهُمْ وَلَا يَرَوْهَا قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : فَلَمَّا حَمَلَتْ بِهِ وَمَلَأَتْ قُلَّتهَا وَرَجَعَتْ اِسْتَمْسَكَ عَنْهَا الدَّم وَأَصَابَهَا مَا يُصِيب الْحَامِل عَلَى الْوَلَد مِنْ الْوَصَب وَالتَّوَحُّم وَتَغَيُّر اللَّوْن حَتَّى فَطَرَ لِسَانهَا فَمَا دَخَلَ عَلَى أَهْل بَيْت مَا دَخَلَ عَلَى آلِ زَكَرِيَّا وَشَاعَ الْحَدِيث فِي بَنِي إِسْرَائِيل فَقَالُوا إِنَّمَا صَاحِبهَا يُوسُف وَلَمْ يَكُنْ مَعَهَا فِي الْكَنِيسَة غَيْره وَتَوَارَتْ مِنْ النَّاس وَاِتَّخَذَتْ مِنْ دُونهمْ حِجَابًا فَلَا يَرَاهَا أَحَد وَلَا تَرَاهُ .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • حكم صيام يوم السبت في غير الفريضة

    حكم صيام يوم السبت في غير الفريضة : في هذه الرسالة تخريج حديث النهي عن صوم يوم السبت، ومن ثم الحكم عليه، ثم ذكر الأحاديث المعارضة له، مع ذكر أقوال العلماء في هذه المسألة، وبيان القول الراجح.

    الناشر: شبكة الألوكة https://www.alukah.net - دار التوحيد للنشر بالرياض

    المصدر: https://www.islamhouse.com/p/167462

    التحميل:

  • كيف تطيل عمرك الإنتاجي؟

    كيف تطيل عمرك الإنتاجي؟ : يتناول هذا الكتاب باختصار معظم الأعمال الصالحة التي ثوابها يضيف لك عمراً إضافياً، ليكون عمرك الإنتاجي من الحسنات أكبر من عمرك الزمني. والكتاب بمثابة مجهر يكشف لأنظارنا أهمية جديدة للعديد من الأحاديث التي نقرأها ونمر عليها أحياناً مروراً دون تدبر. جعل الكتاب في ثلاثة فصول: - الفصل الأول: ويشتمل على: أهمية إطالة العمر ومفهومها. - الفصل الثاني: الأعمال المطيلة للأعمار وفيه أربعة مباحث: المبحث الأول: إطالة العمر بالأخلاق الفاضلة. المبحث الثاني: إطالة العمر بالأعمال ذات الأجور المضاعفة. المبحث الثالث: إطالة العمر بالأعمال الجاري ثوابها إلى ما بعد الممات. المبحث الرابع: إطالة العمر باستغلال الوقت. - الفصل الثالث: كيفية المحافظة على العمر الإنتاجي من الحسنات. وقد وثقت مسائل الكتاب بعزوها إلى مظانها من كتب العلم، وحرص عدم ذكر إلا الأحاديث الصحيحة أو الحسنة وتخريجها من مصادرها. تقديم: الشيخ صالح بن غانم السدلان - الشيخ عبد الرحيم بن إبراهيم الهاشم.

    الناشر: موقع صيد الفوائد www.saaid.net

    المصدر: https://www.islamhouse.com/p/291304

    التحميل:

  • هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى

    هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى : يعرض لنا ابن القيم في هذا الكتاب بموضوعية وعمق جوانب التحريف في النصرانية واليهوية داعمًا لكل ما يذهب إليه بنصوص من كتبهم المحرفة، رادًا على ادعاءاتهم الباطلة بالمنقول والمعقول داحضًا شُبه المشككين في نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

    المدقق/المراجع: عثمان جمعة ضميرية

    الناشر: دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع

    المصدر: https://www.islamhouse.com/p/265624

    التحميل:

  • من مشاهد القيامة وأهوالها وما يلقاه الإنسان بعد موته

    في هذه الرسالة التحذير من الافتتان والاغترار بالدنيا الفانية والإعراض عن الآخرة الباقية، ثم ذكر بعض أهوال يوم القيامة، ثم ذكر وصف جنات النعيم وأهلها، ثم ذكر أعمال أهل الجنة وأعمال أهل النار.

    المصدر: https://www.islamhouse.com/p/209203

    التحميل:

  • مسند أحمد بن حنبل

    مسند أحمد: في هذه الصفحة نسخة الكترونية مفهرسة، تتميز بسهولة التصفح والوصول إلى المعلومة من مسند الإمام أحمد بن حنبل، والذي يعد أضخم كتاب حديثي مسند جمع السنة المطهرة، مع رسوخ مؤلفه في السنة المطهرة وعلو أسانيده، وشدة حرصه في انتخابه. والمسند هو: الكتاب الذي روى مؤلفه فيه أحاديث كل صحابي على حدة. وقد بدأت عناية أهل العلم بتأليف المسانيد في أوائل عصر تدوين السنة في أواخر القرن الثاني الهجري، وكانت بداية تأليف الإمام أحمد لمسنده بعد عودته من رحلته إلى الإمام عبد الرزاق الصنعاني في اليمن - ت211هـ - قاله ابنه عبد الله. وعدد أحاديثه ثلاثون ألفاً قاله ابن المُنادى، وهذا باطراح المكرر وزيادات ابنه عبد الله؛ لأنه معها يصل إلى أربعين ألفاً. قال ابن عساكر: "يبلغ عدد أحاديثه ثلاثين ألفاً سوى المعاد وغير ما ألحق به ابنه عبد الله من عالي الإسناد "، وقال الحسيني: "وجملة أحاديثه أربعون ألفاً بالمكرر مما رواه عنه ابنه الحافظ أبو عبد الرحمن: عبد الله، وفيه من زياداته "

    الناشر: موقع أم الكتاب https://www.omelketab.net

    المصدر: https://www.islamhouse.com/p/140685

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة