لا زال الناس في مختلف الشعوب يحيّون بعضهم بعضاً بعباراتٍ مختلفة، وألفاظٍ متنوّعة، في حين أن المسلمين قد تميّزوا عن غيرهم بتحيّة إلهيّة جعلها الله سبحانه وتعالى شعاراً لهم في الدنيا والآخرة، تدور ألفاظهلاا حول طلب الخير والسلامة من الشرور والآفات وهي قولهم: "السلام عليكم" فما هي علاقة هذه العبارة باسم الله "السلام" ؟.
الأصل في الاشتقاق
السلام مأخوذ من الفعل سَلِمَ، يُقال: سلم يسلم سلامةً وسلاماً، يقول ابن فارس فى مقاييس اللغة : "السين واللام والميم أصل صحيح يدل على الصحة والعافية"،
السلام كذلك جمع ومفردها:سلامة.
وتأتي
السلام بمعنى السلامة، البراءة من المكروه والعيب، والأمراض والأسقام، وتسلّم منه: تبرّأ، ومنه قوله تعالى: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} (الفرقان: 63)، ومعناه: قولاً فيه براءةٌ من الشرّ والسفه، وليس على
السلام المستعمل في التحية لأن الآية مكية ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين.
وقوله تعالى:{سلام هي حتى مطلع الفجر} (القدر:5)، أي ليلةٌ سالمةٌ، لا يقدر الله فيها ولا يقضي إلا السلامة، وقوله تعالى: {والسلام على من اتبع الهدى} (طه: 47)، معناه أن من اتبع هدى الله سلم من عذابه وسخطه.
والجنّة هي دار السلام، قال الله عزّ وجل: {لهم دار
السلام عند ربهم} (الأنعام: 127)، وقد سُمّيت الجنة بذلك لأنها دار السلامة الدائمة التي لا تنقطع ولا تفنى، ويجوز أن يكون قولنا: "دار السلام" إضافةٌ إلى اسم الله، فتكون الإضافة لأجل التعظيم، يقول صاحب المحيط الأعظم: " ودار
السلام الجنة لأنها دار الله عز وجل فأضيفت إليه تفخيما لها".
وعن معنى قولهم: "السلام عليكم"، أي اسم الله عليك، وكان اسم الله يذكر على الأعمال توقعاً لاجتماع معاني الخيرات فيه وانتفاء عوارض الفساد عنه، وقيل معناه: سلمت مني فاجعلني أسلم منك، من السلامة بمعنى السلام.
المعنى الاصطلاحي
يذكر العلماء أن الله سبحانه وتعالى هو السلام، لأنه سلم مما يلحق الخلق من آفات الغِيَر والفناء، ولأنه الباقي الدائم الذي يفني الخلق، ولا يفنى، وهو على كل شيء قدير.
يقول الزجّاج: "
السلام هو الذي سلم من عذابه من لا يستحقه"، والسلام أي: المعظم المنزه عن صفات النقص كلها وأن يماثله أحد من الخلق.
ويبيّن الإمام ابن القيّم أن الله سبحانه وتعالى أحق بهذا الاسم من كل مسمّى به لسلامته سبحانه من كل عيب ونقص من كل وجه، فهو
السلام الحق بكل اعتبار، فهو سبحانه سلامٌ في ذاته عن كل عيب ونقص، وسلامٌ في صفاته من كل عيب ونقص، وسلام في أفعاله من كل عيب ونقص، وشر وظلم، وفعلٍ واقع على غير وجه الحكمة، بل هو
السلام الحق من كل وجه وبكل اعتبار، فعلم أن استحقاقه تعالى لهذا الاسم أكمل من استحقاق كل ما يطلق عليه.
فالحاصل أن اسم الله "السلام" يدلّ على قداسة الرّب تبارك وتعالى في ذاته، فبريء من كلّ نقصٍ وعيب، وعلى سلامته في أفعاله، فأمن الخلق من الظلم والجور وفي كتاب الله: {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما} (طه: 112).
وقد ذكر بعض علماء التفسير معنىً آخر يتضمّنه اسم الله "السلام"، ويختصّ بفعلٍ من أفعال الله تعالى التي لها علاقةٌ بهذا الاسم، فقالوا: " السلام، أي: ذو
السلام على عباده في الجنة"، واستدلّوا عليه بقول الحقّ في محكم تنزيله: {سلام قولا من رب رحيم} (يس:58).
أدلة هذا الاسم من النصوص الشرعيّة
ورد اسم الله
السلام في كتاب الله تعالى مرّة واحدةً فحسب، وذلك في قول الباري تبارك وتعالى: {هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس
السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون} (الحشر: 23).
وأما في السنّة فقد ورد هذا الاسم في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا إذا كنّا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة، قلنا:
السلام على الله من عباده،
السلام على فلان وفلان، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تقولوا
السلام على الله، فإن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات،
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته،
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؛ فإنكم إذا قلتم أصاب كل عبد في السماء أو بين السماء والأرض) متفق عليه.
حكم قول:
السلام على الله
يتّضح من سياق الحديث السابق الحكم بتحريم قول: "السلام على الله"، وهذا المنع من النبي –صلى الله عليه وسلم- معلولٌ بقوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله هو السلام)، فالمفهوم من العلّة أمران:
الأوّل: التنبيه على أن الله سبحانه وتعالى قد تسمّى باسم السلام، فلا يستقيم حينها أن يُقال: "السلام على الله"، لأنه كقول القائل: "الله على الله"
الثاني: إذا كان من معاني اسم الله تعالى: "السلام" السلامة، والسلامة تُطلب من الله لعباده؛ فإنهم محتاجون إلى السلامة من عقابه وسخطه وعذابه، فكيف يصحّ إذن أن تُطلب السلامة لله ويُدعى له بالسلامة؟ لا شكّ أنه معنى باطل يتنافى مع كمال الله وعظمته.
آثار الإيمان بهذا الاسم
من آثار هذا الاسم أن يتبيّن للمسلم حقيقةَ أن صفات القهر والعزّة، والقوّة والانتقام، وغيرها من صفات الجلال التي اتصف بها الخالق جلّ وعلا، منزهةٌ وسالمةٌ من الجور والظلم على العباد: { ولا يظلم ربك أحدا} (الكهف:49)، وإنما هي مجازاةٌ بمقتضى العدل الإلهيّ الذي هو كمالٌ مطلق.
ومن آثار التي تُذكر هنا، تبيّنُ أن الله سبحانه وتعالى حين اتصفت أفعاله بالسلامة من كل عيب، كان من مقتضى ذلك أن يكون ما شرعه لعباده هو خيرٌ من كلّ وجه، فشريعته الكاملة تضبط أمور الناس وتحقّق لهم المصلحة في أمور معاشهم ومعادهم، يقول الحق تبارك وتعالى: { أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} (المائدة:50)، وفي آيةٍ أخرى: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون} (الجاثية:18).
ويُضاف إلى ما سبق، أن تسمّي الباري تبارك وتعالى باسم السلام، واتصافه بالسلامة والقداسة، يُرشد المؤمن إلى القيم الخلقيّة والفضائل الشريفة التي تتضمّنها البراءة من العيوب، فهي دعوةٌ إلى تزكية النفس وتهذيبها من مساؤي الأخلاق، حتى يمكن للمرء أن يُقابل ربّه بقلبٍ طاهر سليم: {يوم لا ينفع مال ولا بنون*إلا من أتى الله بقلب سليم} (الشعراء:88-89).
ونختم بقول الإمام ابن القيّم رحمه الله: "إذا لم تظلم هذا الاسم ووفيته معناه وجدته مستلزما لإرسال الرسل، وإنزال الكتب وشرع الشرائع، وثبوت المعاد وحدوث العالم، وثبوت القضاء والقدر، وعلو الرب تعالى على خلقه، ورؤيته لأفعالهم، وسمعه لأصواتهم، واطلاعه على سرائرهم وعلانياتهم، وتفرده بتدبيرهم، وتوحده في كماله المقدس عن شريك بوجه من الوجوه".