عرض مشاركة واحدة
قديم 25-05-2019, 03:14 PM   #1
تاريخ التسجيل: Feb 2019
المشاركات: 1,010
التقييم: 10
تاريخ التسجيل: Feb 2019
المشاركات: 1,010
التقييم: 10
افتراضي التعامل مع الإشاعات من خلال السنة النبوية

الإشاعة من الظواهر الخطيرة، والكوارث الاجتماعية التي تنخر في المجتمعات البشرية، وتزلزل سكينة النفوس، سيما في هذا الزمن الذي تطورت فيه وسائل النشر ووسائط التواصل، فبعد أن كان صناع الإشاعة أفرادا ومجاميع محدودة، أصبحت الإشاعات تصدر عبر مؤسسات أخبارية، ومنابر إعلامية، وربما مراكز دراسات بحثية، فتمكنت الإشاعة أن تبلغ الآفاق في لمح البصر أو أقرب من ذلك، عابرة كل الحدود والحواجز، ومع جهل الناس بمضامين الإشاعات وأغراضها وأساليبها يقع المجتمع أحيانا في شباك المفترين، وخداع الأفاكين، فتولدت مفاهيم وقناعات منشؤها الإشاعات، سيما وهي تصدر على شكل مسلمات علمية، وأخبار سياسية، وفي باطنها إرادة لزرع قناعات ورأي عام حول قضية معينة.

ولم تكن السنة النبوية بمنأى عن معالجة قضية خطيرة كهذه، بل في السنة القولية والعملية عناية بمعالجتها، وطرق التعامل معها، ولذلك يمكننا دراستها من خلال جمع ما يتيسر من الأحاديث والآثار التي تناولتها، والتطبيقات العملية من خلال العهد النبوي مع الإشاعات، ودراسة بواعثها وأغراضها، وسبل الوقاية من الوقوع تحت تأثيرها.

تعريف الإشاعة لغة واصطلاحا:

الإشاعة في اللغة تدور معانيها حول المتابعة وعدم المفارقة، والانتشار والذيوع ، والتفرقة والاستطارة ، والانتشار.
وفي الاصطلاح هي: النبأ الهادف الذي يكون مصدره مَجْهُولاً ، وهي سريعة الانتشار ، ذات طابع استفزازي أو هادئ حسب طبيعة ذلك النبأ.
ولفظ الإشاعة والأشياع غالبا ما يستخدم في الذم، يقول ابن القيم يرحمه الله: وذلك والله أعلم، لما في لفظ الشيعة من الشياع والإشاعة، التي هي ضد الائتلاف والاجتماع. أهـ.

التحذير من الإشاعة في السنة النبوية:

جاء الوعيد الشديد في السنة النبوية في حق الكذب عموما، وفي حق الإشاعات على وجه الخصوص؛ لما تتضمنه من آثار سلبية على الفرد والمجتمع، ففي صحيح البخاري عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رأيت الليلة رجلين أتياني، قالا: الذي رأيته يشق شدقه فكذاب، يكذب بالكذبة تحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به إلى يوم القيامة».
فهذا اللون من العقوبة التي تلازم هذا الصنف من الناس مدة حياة البرزخ التي لا يعلم أمدها إلا الله يدل على عظم الجرم الذي اقترفه، من تقليب الحقائق، وزعزعة الأمن، وإثارة الشكوك، وتأجيج الفتن والصراعات، وغيرها من الجنايات الجسيمة التي يهدف إليها أصحاب الإشاعات، ورواد الزور في العالم.

وجعل النبي صلى الله عليه وسلم المتلقف للأخبار الناقل لها أحد الكذبة المفترين؛ لأن من تعود على التحديث بكل خبر يسمعه لن يسلم من نقل أخبار كاذبة، وإشاعات مغرضة، ففي صحيح مسلم عن حفص بن عاصم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع».

إلا إنه استثني من ذلك جواز نشر الإشاعة في صفوف العدو في الحرب، كما في الترمذي، -والحديث حسن بشواهده- عن أسماء بنت يزيد قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم «لا يحل الكذب إلا في ثلاث يحدث الرجل امرأته ليرضيها والكذب في الحرب والكذب ليصلح بين الناس»، قال القاضي عياض: لا خلاف في جواز الكذب في هذا.

أغراض الإشاعة من خلال السنة النبوية:

بما أن المجتمع المسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يتربص به فئاتٌ من أهل الباطل كالمنافقين واليهود، فقد تعرضت الجماعة المسلمة لوابل من الإشاعات والافتراءات، ولا شك أن ما كان يلقيه هؤلاء المفترون من إشاعات يقصدون بها بث الفرقة، والفت في عزيمة الجماعة المؤمنة، وصرف الناس عن الحق البين الواضح، ويظل المنافقون واليهود هم صناع الإشاعات ومخرجي أفلام الإفك، ومسرحيات الكذب والزور في كل زمان ومكان.

من أغراض الإشاعة: صدُّ الناس عن الحق، وصرفُهم عن مجرد سماعه، لأنهم يعرفون أن للحق سلطةً على النفوس، فيلجأون إلى تلفيق الأخبار، وفبركة الشائعات، ليلفتوا الناس عن الحق والهدى، ومع ذلك فالحق نافذ إلى النفوس مهما حاولوا إثارة الشائعات حوله، ففي صحيح مسلم عن أبي ذر الغفاري، وفيه: فقلت لأنيس: «ما يقول الناس؟ قال: يقولون شاعر كاهن ساحر. وكان أنيس أحد الشعراء. قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر فما يلتئم على لسان أحد بعدى أنه شعر، والله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون».

ومن أغراض الإشاعة: النيل من نفسية المؤمن وإلقاء الحيرة في قلبه، من ذلك افتراؤهم على الله بأنه قد ترك محمداً فلم يعد ينزل عليه الوحي، وذلك حين فتر الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم عن الأسود بن قيس «أنه سمع جندبا يقول: أبطأ جبريل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال المشركون قد ودع محمد فأنزل الله عز وجل (والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى)».
وفي البخاري «قالت امرأة من قريش أبطأ عليه شيطانه».

فهم يحاولون تلفيق الأخبار، وتقليب الحقائق، واستغلال الأحداث لإثبات باطلهم، ومن الملاحظ أنهم قد يستغلون الحقائق الواقعة بتفسيرها حسب أهوائهم، وتوظيفها في إطار أهدافهم ومقاصدهم.
فالوحي منقطع عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن ليس لأن الله قلاه وودعه كما يزعمون، ولذلك جاء القرآن ليكشف زيفهم ويبطل ما زعموه.

ومن أغراض الإشاعة: الْفَتُّ في عضد المسلمين، والنيل من عزائم الجيش المسلم، من ذلك: إشاعة مقتل النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، ولاشك أن تلك الإشاعة كان لها بالغ الأثر في صفوف المسلمين حينها، فقد توقف بعضهم عن القتال وألقوا السيوف من أيديهم، فمر عليهم أنس -كما في سيرة ابن إسحاق- فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فما تضنون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل)).
وفي موقف أنس درس مستفاد بأن لا يسمح المسلم للإشاعة بأن تلقي بآثارها السلبية على نفوس المسلمين مهما كانت مؤلمة، وأن لا ينشغل بتفاصيل ما يذاع من أخبار الخوف بل يتجاوزها إلى القيام بواجب المرحلة من الجهاد والدعوة ومواصلة الطريق.
وبعد أن تراجعت معنويات الجيش برؤية النبي صلى الله عليه وسلم سالما معافى، لم يدفع إشاعة مقتله في وجه المشركين، بل جعلها عليهم مفاجأة كالصاعقة بعد أن عاشوا لحظات الانتصار الموهوم، إمعانا منه في إيلامهم وكسر نفوسهم، ليفيقوا على الحقيقة التي غصت بها حلوقهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم حي لم يمت، ففي سنن النسائي عن البراء وهو يحكي ما حصل يوم أحد قال: ((فلما كان الليل جاء أبو سفيان بن حرب فقال: أفيكم محمد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجيبوه» ثم قال: أفيكم محمد؟ فلم يجيبوه ثم قال: أفيكم محمد؟ الثالثة فلم يجيبوه فقال: أفيكم ابن أبي قحافة؟ فلم يجيبوه فقال: أفيكم ابن أبي قحافة؟ فلم يجيبوه حتى قالها ثلاثا، ثم قال: أفيكم ابن الخطاب حتى قالها؟ ثلاثا فلم يجيبوه فقال: أما هؤلاء فقد كفيتموهم فلم يملك عمر نفسه، فقال: كذبت يا عدو الله، ها هو ذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وأنا أحياء، ولك منا يوم سوء)).

أساليب التعامل مع الإشاعات من خلال السنة النبوية:
من خلال استعراض بعض النواقف والأحداث النبوية تتجلى مجموعة من الأساليب والتدابير التي تعامل بها النبي صلى الله عليه وسلم مع الأخبار والإشاعات التي كانت تصله، من تلك الأساليب والتدابير:

من الأساليب النبوية للتعامل مع الإشاعة: التبين والاستيضاح، وقد كان هذا ظاهراً في تعاملات النبي صلى الله عليه وسلم مع الإشاعات والأخبار التي تصله عن أصحابه، شعاره في ذلك: «ما حديثٌ بلغنى عنكم» رواه البخاري.
ففي موقف من مواقف الأنصار حين اعترض بعضهم على قسمة الغنائم يوم حنين، كما في حديث أنس في البخاري وفيه: «فحُدِّث بمقالتهم، فأرسل إلى الأنصار ، فجمعهم فى قبة من أدم ، ولم يدع معهم أحدا غيرهم، فلما اجتمعوا، جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما كان حديث بلغنى عنكم؟ فقال له فقهاؤهم: أما ذوو آرائنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئا، وأما أناس منا حديثة أسنانهم، فقالوا: يغفر الله لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يعطى قريشا ، ويترك الأنصار وسيوفنا تقطر من دمائهم». فاسترضاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رضوا.

ومن التدابير النبوية في التعامل مع الإشاعات: النهي عن تناقل الأخبار والشائعات التي يتناقلها الناس بعضهم عن بعض حتى ولو كانت صدقا، فما كل مايكون صدقا يصح نقله، ففي سنن أبي داود عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر».
ومن التدابير: الدفاع عمن أثيرت عليه إشاعة، والاعتذار له بما يعلم عنه؛ للحد من مدى الإشاعة، كما في البخاري عن أبي هريرة ، رضي الله عنه، قال « أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة فقيل منع ابن جميل وخالد بن الوليد وعباس بن عبد المطلب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرا فأغناه الله ورسوله، وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا، قد احتبس أدْراعَه وأَعْتُدَه في سبيل الله، وأما العباس بن عبد المطلب فعمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي عليه صدقة ومثلها معها».

قال النووي: ومعنى الحديث أنهم طلبوا من خالد زكاة أعتاده ظنا منهم أنها للتجارة وأن الزكاة فيها واجبة، فقال لهم لا زكاة لكم علي، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن خالدا منع الزكاة، فقال لهم انكم تظلمونه؛ لأنه حبسها ووقفها في سبيل الله قبل الحول عليها فلا زكاة فيها، ويحتمل أن يكون المراد لو وجبت عليه زكاة لأعطاها ولم يشح بها؛ لأنه قد وقف أمواله لله تعالى متبرعا فكيف يشح بواجب عليه واستنبط بعضهم من هذا وجوب زكاة التجارة وبه قال جمهور العلماء من السلف والخلف خلافا لداود. أ.هـ

ومن التدابير النبوية في التعامل مع الإشاعات: التحلى بالصبر والثبات، وعدم الالتفات إلى الشائعات، والاستمرار في نشر الحق وإيضاح الدعوة للخلق، فالنبي صلى الله عليه وسلم كانت تبث حوله الإشاعات وهو ماض في سبيل دعوته لا ينثني عزمه، ولا يفتر نشاطه، ففي مسند الإمام أحمد عن ربيعة بن عباد الديلي ، أنه قال: «رأيت أبا لهب بعكاظ، وهو يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: يا أيها الناس، إن هذا قد غوى، فلا يغوينكم عن آلهة آبائكم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يفر منه، وهو على أثره».

ومن التدابير النبوية في التعامل مع الإشاعات: التريث وعدم اتخاذ أي إجراء فور وصول الإشاعة، واستجماع الرأي واستشارة العقلاء وذوي الرأي: ففي إشاعة الإفك، وهي من أخطر الإشاعات التي دبرها المنافقون، فقد كانت تستهدف العرض والسمعة، وطال أمد الابتلاء بآثار هذه الفرية، حتى أنها التبست على بعض الصحابة فخاضوا فيها اغترارا ببعض المنافقين الذين كانوا يتواجدون بينهم ولم يظهر أمر نفاقهم كانت أول خطوة ظهرت في تعامله صلى الله عليه و سلَّم مع هذه الأزمة استشارته لأصحابه ، أو ما يمكن أن يُعبَّر عنه بـ: ” الاستعانة بذوي الخبرة"، وقد كان لمشورات الصحابة حوله من التثبيت والطمأنينة ماجعل القرار أنضج مما لو انفرد بمواجهة الأزمة لوحده.

ومن التدابير النبوية في التعامل مع الإشاعات: التوازن والتماسك تجاه الإشاعات: من خلال موقفه صلى الله عليه وسلم تجاه حادثة الإفك أيضا، ومع أنَّ الأزمة كان وقْعُها شديداً ، إلا أنَّه صلى الله عليه و سلَّم لم يخرج عن طبيعته المتوازنة، وهدوئه المعتاد، فقد سعى لمحاولة إدارة الأزمة، وتجاوزها، والقضاء على آثارها، كل ذلك بالهدوء والحكمة، فمن أخطر ما يواجه صاحب القرار عند حصول الأزمة عدم قدرته على ضبط مشاعره و تصرفاته.

ومن التدابير النبوية في التعامل مع الإشاعات: رد الإشاعة ومحاربتها، وتصحيح الخلفية العقدية التي نشأت عنها الإشاعة، ومن ذلك رد النبي صلى الله عليه وسلم الخبر الذي أشيع بأن الشمس كسفت لموت ولده إبراهيم، كما في البخاري عن المغيرة بن شعبة قال كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم، فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم فصلوا وادعوا الله».

ومن التدابير النبوية في التعامل مع الإشاعات: دفع الذرائع المفضية إلى الإشاعة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يترك بعض الأعمال قطعا لألسنة الشائعات، وسدا لحديث المغرضين والخائضين بالباطل، وهذا من كمال حكمته صلى الله عليه وسلم، فقد ترك قتل بعض المنافقين، مع اقترافهم ما يستوجب الخلاص منهم، من النكاية بالمسلمين، والخيانة لله وسوله، ومع ذلك لما كان ظاهرهم أمام عامة الناس أنهم مسلمون فسيظن الناس أنه قتل معصوم الدم، وربما صارت هذه الشائعة صادة لهم عن الدخول في الإسلام، ففي صحيح مسلم لما استأذن عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتل رجلا من المنافقين والحديث عن جرير بن عبد الله البجلي: قال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال: «دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه».

الفارس غير متواجد حالياً   اقتباس