وردت أحاديث في
كتاب الزكاة فيها ألفاظ تعدُّ من
غريب الألفاظ العربية التي تحتاج إلى بيان معانيها وتوضيح مفهومها؛ حتى يستقيم فهمها على وجهها، سيما في مثل هذه العصور المتأخرة التي اتسعت فيها رقعة الغريب في اللغة، وأصبح ما كان بيّن المعنى غامضا في حقنا؛ لابتعادنا عن عصور الفصاحة وعهود البيان.
ومن هذه الألفاظ الغريبة:
بُطِحَ لها بِقَاعِ قَرْقَرْ: في صحيح مسلم عن أبي هريرة في حديث مانع
الزكاة وفيه: «ولا صاحب إبل لا يؤدى منها حقها، ومن حقها حلبُها يوم وِرْدها إلا إذا كان يوم القيامة بُطِحَ لها بِقَاعِ قَرْقَرْ أوفر ما كانت لا يفقد منها فَصِيلا واحدا تَطَؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ».
بُطِح: يعني وضع على وجهه؛ لتطأه الأنعام التي منع فيها حق الزكاة.
بِقَاعِ قَرْقَرْ: هي الأرض المستوية التي يقر عليها ماء السماء إذا نزل عليها، ولعله في كونه مستوياً أن تمشي عليه بسهولة فتطؤه ذاهبة وآيبة.
ثُغَاء، رُغَاء، تَيْعَر: في البخاري، باب إثم مانع
الزكاة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يأتيني أحدكم يوم القيامة بشاة يحملها على رقبته لها ثغاء» وفي مسلم عن أبي حميد الساعدي «فلأعرفن أحدا منكم لقى الله يحمل بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار ، أو شاة تيعر».
الثُّغاء صوت الغنم، ويقال لها ثاغيه، وصوت البعير يقال له رُغَاء، وصوت البقرة خُوَار، وفي
كتاب الأفعال لأبي جعفر السعدي يقال: أتيت فلانا فما أَثْغَى ولا أَرْغَى، يعني: ما أعطاني ثاغية ولا راغية، يريد: ما أعطاني شاةً ولا بعيراً.
تَيْعَر: بفتح المثناة الفوقانية وسكون التحتانية بعدها مهملة مفتوحة ويجوز كسرها، واليُعَار بضم الياء هو صوت المعز.
لا جَلَبَ ولا جَنَبْ: في سنن أبي داود وصححه الألباني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا جَلَبَ ولا جَنَبْ ولا تؤخذ صدقاتُهم إلا في دورهم».
قال ابن الأثير: الجلَب يكُون في شَيْئين : أحَدُهما في الزَّكاة وهو أن يَقْدَم المُصَدِّق -وهو من يبعثه الإمام لجمع الزكاة- على أهْل
الزكاة فَيَنْزِلَ مَوْضِعا ثم يُرْسِلَ مَنْ يَجْلِب إليه الأمْوال من أماكِنِها ليأخذ صدَقَتها فنُهِيَ عن ذلك وأُمِر أن تُؤخَذَ صَدَقَاتُهم على مِيَاهِهم وأماكنهم . الثاني أن يكون في السّبَاق : وهُو أن يَتْبَع الرجُلُ فرسَه فيَزْجُره يَجْلِب عليه ويصيح حَثًّا لَهُ على الجَرْي فنهِيَ عن ذلك، ولا جنب، هو فرار أصحاب المواشي وبعدهم بها عن السعاة؛ فراراً من الزكاة.
حَوَاشِي أموالهم: في البخاري من رواية عبد الله ابن عمر-رضي الله عنهما- لوصية أبيه لمن يخلف الأمر من بعده، وفيها: «وأوصيه بالأعراب خيرا فإنهم أصل العرب ومادَّة الإسلام أن يؤخذ من حواشي أموالهم وترد على فقرائهم» وورد عند البيهقي وغيره مرفوعا من حديث قُرَّةَ بنِ دُعْمُوص النميري أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال له: «وخذ صدقاتِهم من حواشي أموالهم».
والمقصود بحواشي الأموال: صغارها وأطرافها، وما ليس بخيار ولا نفيس، إرفاقا بصاحب المال، وهذا التوجيه النبوي للسعاة؛ حتى لا يتخير الساعي كرائم الأموال ونفائسها، فلا تطيب نفوس المُزَكِّين بها، وكما في البخاري عن معاذ: « وإياك وكرائم أموالهم».