سورة المجادلة هي السورة الثامنة والخمسون بحسب ترتيب سور المصحف العثماني، وهي السورة المائة وثلاث وفق تعداد نزول سور القرآن، نزلت بعد
سورة المنافقين، وقبل
سورة التحريم. قال ابن عاشور: "والذي يظهر أن
سورة المجادلة نزلت قبل
سورة الأحزاب؛ لأن الله تعالى قال في
سورة الأحزاب: {وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم} (الأحزاب:4) وذلك يقتضي أن تكون هذه الآية نزلت بعد إبطال حكم الظهار بما في
سورة المجادلة؛ لأن قوله: {وما جعل} يقتضي إبطال التحريم بالمظاهرة، وإنما أُبطل بآية
سورة المجادلة". وقال السخاوي: "نزلت
سورة المجادلة بعد
سورة المنافقين، وقبل
سورة الحجرات". وهذه السورة مدنية، قال ابن عطية: بالإجماع. وعدد آياتها اثنان وعشرون آية.
تسميتها
سميت هذه السورة في كتب التفسير وفي المصاحف وكتب السنة (سورة المجادلة). وتسمى (سورة قد سمع) وهذا الاسم مشتهر في الكتاتيب، وسميت في مصحف أُبي بن كعب (سورة الظهار). ولم يذكر المفسرون ولا شارحو كتب السنة ضبطه بكسر الدال، أو فتحها. وذكر الخفاجي في (حاشية البيضاوي) أن كسر الدال هو المعروف. قال ابن عاشور: "كسر الدال أظهر؛ لأن السورة اُفتتحت بذكر التي تجادل في زوجها، فحقيقة أن تضاف إلى صاحبة الجدال، وهي التي ذكرها الله بقوله: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} (المجادلة:1).
ووجه تسميتها (سورة المجادلة) لأنها افتتحت بقضية مجادلة امرأة أوس بن الصامت لدى النبي صلى الله عليه وسلم في شأن مظاهرة زوجها.
مناسبتها لها قبلها
خُتمت
سورة الحديد بفضل الله، وافتتحت
سورة المجادلة بما هو من ذلك، حيث سمع الله شكوى هذه المرأة، وأزال شكوى كربتها، بما بينه من حكم الظهار، وجاء في مطلع السورة السابقة ذكر صفات الله الجليلة، ومنها الظاهر والباطن، وأنه سبحانه {يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير} (الحديد:4) وافتتح هذه السورة بذكر أنه تعالى سمع قول المجادِلة، التي شكت إليه تعالى، إلى غير ذلك من المناسبات.
فضائلها
لم يصح شيء في فضل
سورة (المجادلة) سوى كونها من سور المفصل، المذكور فضله في بداية فضل
سورة (ق). ومما انفردت به هذه السورة تكرير الاسم الأعظم الجامع في قصة (المجادلة) وجميع السورة، تكريراً لم يكن في سواها، بحيث لم تخل منه آية، وأما الآيات التي تكرر في كل منها مرتين أو أكثر، فكثيرة.
مقاصدها
تتمثل
مقاصد سورة المجادلة في التالي:
* الحكم في قضية مظاهرة أوس بن الصامت من زوجه خولة، وبيان حكم ظهار الرجل من امرأته، بأن يقول لها -مثلاً-: أنت عليَّ كظهر أمي.
* إبطال ما كان في الجاهلية من تحريم المرأة إذا ظاهر منها زوجها، وأن عملهم مخالف لما أراده الله سبحانه، وأنه من أوهامهم وزورهم التي كبَّتهم الله بإبطالها.
* الإعلام بإيقاع البأس الشديد، الذي أشارت إليه
سورة الحديد بمن حاد الله ورسوله؛ لما له سبحانه من تمام العلم، اللازم عنه تمام القدرة، اللازم عنه الإحاطة بجميع صفات الكمال.
* أن الله تعالى يعلم جميع ما في السماوات والأرض، ومن ذلك أنه يعلم السر والنجوى، وبيان مصير الذين يتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول صلي الله عليه وسلم.
* بيان ضلالات المنافقين ومنها مناجاتهم بمرأى المؤمنين ليغيظوهم ويحزنوهم، ومنها موالاتهم اليهود، وحلفهم على الكذب.
* بيان آداب مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم. وشرع التصدق قبل مناجاته صلى الله عليه وسلم، وأن على المؤمنين إذا قيل لهم: تفسحوا في المجالس أن يتفسحوا.
* الثناء على المؤمنين في مجافاتهم اليهود والمشركين، وأن الذين يتولون قوماً معادين الإسلام أعد الله لهم عذاباً مهيناً.
* أن الله تعالى قضى بأن يغلب هو ورسله جميع أعداء الدين، وأن الله ورسوله وحزبهما هم الغالبون.
* أن من يتركون مودة من يحادون الله ورسوله -ولو كانوا أقاربهم- أولئك كتب الله في قلوبهم الإيمان، وأيدهم بروح منه، وأنهم سيدخلون جنات تجري من تحتها الأنهار.