مقاصد
سورة سبأ
سورة سبأ هي السورة الرابعة والثلاثون بحسب ترتيب المصحف العثماني، وهي السورة الثامنة والخمسون بحسب ترتيب النزول، نزلت بعد
سورة لقمان، وقبل
سورة الزمر. وهي
سورة مكية، وعدد آياتها أربع وخمسون آية.
اسمها وما جاء في بعض آياتها
اسم السورة (سورة سبأ) وهذا الاسم الذي اشتهرت به في كتب السنة، وكتب التفسير، وبين القراء؛ ووجه تسميتها به، أنها ذُكرت فيها قصة أهل سبأ. قال المهايمي: "سميت بها لتضمن قصتها آية، تدل على نعيم الجنة في السعة، وعدم الكلفة، والخلو عن الآفة، وتبدلها بالنقم، لمن كفر بالمنعم...وهذا من أعظم
مقاصد القرآن".
وقد روى الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نصباً، فجعل يطعنها بعود كان في يده، ويقول: {جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا} (الإسراء:81) {جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد} (سبأ:49).
وفي كتب السِّيَر: أن الأصنام كانت مشدودة بالرصاص، وأنه ما أشار إلى صنم منها في وجهه إلا وقع لقفاه، ولا أشار إلى قفاه إلا وقع لوجهه، حتى ما بقي منها صنم إلا وقع، فقال تميم بن أسد الخزاعي:
وفي الأصنام معتبر وعلم لمن يرجو الثواب أو العقابا
وروى الإمام أحمد في "المسند" عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبأ: ما هو، أرجل، أم امرأة، أم أرض؟ قال: (بل هو رجل ولد عشرة، فسكن اليمن منهم ستة، وسكن الشام منهم أربعة. فأما اليمانيون: فمذحج، وكندة، والأزد، والأشعريون، وأنمار، وحمير. وأما الشاميون: فلخم، وجذام، وعاملة، وغسان). قال ابن كثير في "تفسيره": "إسناده حسن، ولم يخرجوه".
وفي "جامع" الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إذا قضى الله في السماء أمراً ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله، كأنها سلسلة على صفوان -الحجر الأملس- فـ {إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير} (سبأ:23) قال: والشياطين بعضهم فوق بعض) قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وروى الترمذي أيضاً في "جامعه" عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في نفر من أصحابه، إذ رُمي بنجم فاستنار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما كنتم تقولون لمثل هذا في الجاهلية إذا رأيتموه؟) قالوا: كنا نقول: يموت عظيم، أو يولد عظيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإنه لا يُرمى به لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربنا عز وجل إذا قضى أمراً، سبح له حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح إلى هذه السماء، ثم سأل أهل السماء السادسة أهل السماء السابعة: {ماذا قال ربكم}؟ قال: فيخبرونهم، ثم يستخبر أهل كل سماء حتى يبلغ الخبر أهل السماء الدنيا، وتختطف الشياطين السمع، فيرمون فيقذفونه إلى أوليائهم، فما جاءوا به على وجهه فهو حق، ولكنهم يحرفونه ويزيدون). قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
مقاصد السورة
المقاصد الكلية التي تضمنتها السورة هي موضوعات العقيدة الرئيسة: توحيد الله، والإيمان بالوحي، والاعتقاد بالبعث. وتفصيل ما تضمنته السورة من
مقاصد وفق التالي:
- إبطال قواعد الشرك وأعظمها إشراك آلهة مع الله، وإنكار البعث، فابتدأ سبحانه السورة بدليل على انفراده تعالى بالإلهية، ونفي الإلهية عن الأصنام، ونفي أن تكون الأصنام شفعاء لعبادها.
- التركيز الأكبر في السورة على قضية البعث والجزاء.
- إثبات إحاطة علم الله بما في السماوات وما في الأرض، فما يخبر به فهو واقع، ومن ذلك إثبات البعث والجزاء.
- إثبات صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به، وصدق ما جاء به القرآن، وأن القرآن شهد به علماء أهل الكتاب.
- إلزام الحجة على منكري النبوة.
- بيان معجزات داود وسليمان عليهما السلام.
- تقرير سنة من سنن الله في عباده، وهي أن النعم التي يمنحها الله عباده، إنما تدوم بشكر المنعم، وشكر المنعم إنما يكون بفعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه، والاهتداء بهديه، وأن النعم تتحول إلى نقم وهلاك، إذا أعرض الإنسان عن هدي ربه، بفعله ما نهى الله عنه، وتركه ما أمره الله به، وسلوكه سبيل المفسدين والمكذبين والضالين، كما حصل مع قوم سبأ.
- تهديد المشركين وموعظتهم بما حل ببعض الأمم المشركة من قبل، وأن جَعْلَهم لله شركاء كفران لنعمة الخالق؛ فضرب لهم المثل بمن شكروا نعمة الله واتقوه، فأوتوا خير الدنيا والآخرة، وسخرت لهم الخيرات مثل داود وسليمان، وبمن كفروا بالله فسلطت عليه البلايا في الدنيا، وأعد لهم العذاب في الآخرة مثل سبأ.
- التحذير من تغرير الشيطان، وأنه عدو للإنسان.
- بيان أن الإيمان والعمل الصالح -لا الأموال ولا الأولاد- هما قِوام الحكم والجزاء عند الله.
- بيان أنه ما من قوة في الأرض ولا في السماء تعصم من بطش الله، وما من شفاعة عنده إلا بإذنه.
- وعد المنفقين والمصدقين بالإخلاف.
- تبشير المؤمنين بالنعيم المقيم.
- بيان أن العودة إلى الحياة بعد الممات لتدارك ما فات أمر محال.