روى البخاري عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: كنت أخدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كلما نزل، فكنت أسمعه يكثر أن يقول: [اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ] .
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من الاستعاذة من
الهم والحزن وبقية هذه الأمور:
والهم: هو انشغال النفس واضطراب القلب لتوقع مكروه يقع في المستقبل.
والحزن: تألم القلب والنفس لأمر مكروه وقع بالفعل.
وقد علّم النبي صلى الله عليه وسلم أمته أن تتعوذ من
الهم والحزن كلما هي أمست وإذا هي أصبحت؛ وذلك لما فيهما من شدة الضرر على بدن المرء وعقله، وقلبه ونفسه، ودنياه ودينه. فهما يشوشان الفكر، ويشغلان القلب، ويثقلان البدن، ويذهبان قواه، ويقعدان عن العمل، ويفوِّتان على العبد الكثير من الخير، ويشغلان الفؤاد والنفس عن الطاعات والواجبات، ويصيبان المرء بالإحباط واليأس والتشاؤم.
فإذا تشاءم الإنسان ضاق صدره، ويئست نفسه، وجمد فكره، وفترت همته، وجلس عن الحركة، وقعد في بيته قعود اليائسين.. وأصبح هلوعا يفزع من كل حادث، ويغضب لأدنى سبب، ويشكو من غير علة، ويمرض من غير داء، ولا يرى شيئا في الحياة يستحق الحياة، فكأنه يموت قبل أن يأتيه الموت.
يعلو السواد ناظره فلا يرى في الوجود شيئا جميلا: ينظر إلى الورود فلا يرى إلا شوكها، وينظر إلى جمال السماء في الليل فلا يرى إلا ظلامها، ولا يكاد يرى لله عليه نعمة، ولا يكف أبدا عن الشكوى
أيـها الشــاكــي ومــا بــك داء .. كيف تغدوا إذا غدوت عليلا
شر النفـوس في الأرض نفس .. تتوخي قبل الرحيل الرحيلا
وترى الشوك في الورد وتعمى . أن ترى فوق النـــدى إكليلا
والذي نفــسه بغـــير جـمال .. لا يرى في الوجود شيئا جميلا
قال السمــاء كئــيبة وتجـــهما .. .. قلت ابتسم يكفي التجهم في الســما
قال الصبا ولى فقلت له ابتسم .. .. لن يرجع الأسف الصبا المتصرما
يا أخي تفاءل، دع عنك
الهم والغم
والحزن والعجز وتفاءل؛ فقد عاش أقوام قبلك
الهم والغم والتشاؤم فما رد لهم عليهم غائبا، ولا أعاد مسلوبا، ولا قضى عنهم دينا، ولا شفى لهم مريضا، ولا أحيا ميتا، وإنما أفسد عليهم حياتهم، ونغص عليه عيشهم، وأفقدهم سعادة تلك الأيام.
لا تثقل يومك بأحزان أمسك، ولا بهموم غدك، فربما يأتي الغد ولا يأتي معه
الهم فتكون حرمت نفسك من سعادة يومك
سيكــون ما كان في وقتـه .. .. وأخو الجهالة متعب محزون
فلعل ما تخشاه ليس بكائن .. .. ولعل ما ترجوه سوف يكون
لست أقول لك لا تحزن أبدا، ولا تهتم لشيء أبدا، فهذا لا يقوله عاقل، ولا يمكن وجوده فليس هذا من طبيعة البشر، إنما أقول : لا تسترسل وراء الهموم والظنون والأوهام، ولا تجعل الحزن يطبق على حياتك، فإن ذلك يقود حتما إلى العجز والكسل والقعود والإحباط، وهذا عين ما كان يتعوذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومما يدل على صدق هذا الكلام حديث أبي أمامة رضي الله عنه:
روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال: [دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة، فقال يا أبا أمامة: ما لي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلاماً إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك؟ قال: قلت بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني
أعوذ بك من
الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي وقضى عني ديني].
فانظر كيف أقعده
الهم فترك الضرب في الأرض وذهب ليجلس في المسجد لتعلم ما يصنع
الهم بالناس.
ثم انظر كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم دله على ما يزيل الله به عنه همه، ويقضي الله به عنه دينه، ولم يتركه للهم يأكله والغم يقعده؛ فصلى الله عليه من نبي رؤوف رحيم.
وقد أجمع العلماء على أن التشاؤم والتفاؤل لا أثر لهما في وقوع الأحداث، فالأمر قد فرغ منه، وإنما أثرهما على نفوس أصحابهم في التعامل معها:
فأما التشاؤم فيصيب بالإحباط والعجز واليأس ويقعد عن العمل. والمتشائم والمتطير إنسان ضيق الصدر، مغلق النفس، فاتر الهمة، ثقيل الظل، كسول متبلد.
وأما التفاؤل فيفتح باب الأمل، ويبعث على الحركة والنشاط والعمل. والمتفائل يستفيد من ماضيه، ويتحمس لحاضره، ويتشوف لمستقبله، فينظر إلى كل ما حوله بعين ترى الأجمل، قلب يغفر الأسوأ، عقل يفكر بالأفضل، وروح يملؤها الأمل، فيرى الوجود من حوله جميلا.
ولهذا كان يحبه النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث: [ويعجبه الفأل]، بينما كان يستعيذ من
الهم والحزن، ويدل المؤمنين على ما يذهبهما ويرد أسبابهما.
لا تحزن من مكر البشر فإن الله تعالى فوق الجميع: لقد أراد إخوة يوسف قتله فلم يمت، وأبعدوه عن أبيه لينساه فازدادت محبته له وتعلقه به، وبيع ليكون عبدا فصار ملكا. {إن ربي لطيف لما يشاء}.
والحزن لن يرد عنك القدر، ولن يمنع عنك نزول القضاء، وإنما يخفف وطأه أن ترضى وتعلم [أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك]، والأمر كما قال علي لعدي بن حاتم رضي الله عنهما لما رآه محزونا: "ياعدي من رضي بقضاء الله مضى عليه وكان له أجر، ومن لم يرض بقضاء الله مضى عليه وحبط عمله".
وإن كان يحزنك تسلط الأعداء، وتخاذل الأولياء، واشتد البلاء، فإن سنة الله الماضية في خلقه: {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين}.
التفاؤل العمل:
ليس التفاؤل اعتبارك الظلام نورا ولا الظلم عدلا.
وليس التفاؤل انتظار خروج وردة من غير غرس، ولا انتظار حصاد من دون بذر.
وإنما التفاؤل أن تضيء في الظلام شمعة، وأن تبذر لتحصد، وأن تعمل وتجد وتنتظر فرج الله.
التفاؤل أن تواجه الأزمات وأنت منشرح الصدر، واثق من قرب الفرج، وقدوم اليسر. {فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا}.
التفاؤل أن يقترن الأمل بالعمل {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا}.. أن تعمل وتجد وتجتهد وعينك دائما على حسن تدبير الله لك، فما رأيت منه إلا الجميل
كن عن همومك معرضاً .. وكل الأمورَ إلى القضا
أبــشـر بخــيرٍ عــاجــــل .. تنسى به مــا قد مضى
فـلــرُبَّ أمـــرٍ مـسـخـــطٍ .. لك في عـواقـبه الرضا
الله يفــعــل مــا يــشــــاء .. فــلا تــكـــن مـتـعرضا
الله عــودك الــجــمــيـــل .. فـقس على ما قد مضى
اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشرح صدورنا وصدور جميع المسلمين.. آمين.