كانت علاقة اليهود بالله جل في علاه أسوأ علاقة بين عبد وخالقه، وبين معبود وإلهه الذي يعبده، وبين إنسان وولي نعمته وصاحب كل الفضل عليه؛ فقد اعتقدوا فيه الاعتقاد الباطل، وقالو عنه قالة السوء والبهتان، ونسبوا إليه النقص والتعب والحزن والبكاء، والجهل والضعف، وزعموا أنه صارع عبده يعقوب فصرعه يعقوب فتوسل الرب لعبده أن يتركه، فأبى يعقوب أن يترك إلهه المصروع حتى يباركه.. تعالى الله.
وصفوه بالبخل فقالوا: {يد الله مغلولة}، ونعتوه بالفقر فقالوا: {إن الله فقير ونحن أغنياء}.. ونسبوا إليه الصاحبة والولد،{وقالت اليهود عزير بن الله}. إلى غير ذلك من أقوال الكفر والزور والباطل والبهتان.
فإذا كان هذا حالهم مع الإله الخالق الكريم فكيف سيكون حالهم مع المخلوقين؟
وفي هذه العجالة نتحدث عن اليهود وعلاقتهم بالأنبياء والمرسلين.. اعتقادهم فيهم، ومعاملتهم لهم.
الأنبياء صفوة البشر
وعقيدتنا نحن المسلمين في
الأنبياء والرسل أنهم صفوة البشر اختارهم الله من بين الناس ليكونوا سفراء بينه وبين خلقه، فهم خيرة الله، صنعهم على عينه، وعصمهم من الدنايا والكبائر والنقائص، ونزههم عن كل شين وعيب، فكانوا عبيدا لله مخلصين ومطيعين كما أخبر الله عنهم بعد أن ذكر عددا منهم في سورة مريم فقال: {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا ۚ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا}(مريم:58). وقال عنهم في السورة المسماة باسمهم سورة
الأنبياء مادحا إياهم: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}(الأنبياء:90).
أما اليهود فلهم نظرة أخرى.. ومن يقرأ التوراة اليهودية أو التلمود يجد أن
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام موصوفون عندهم بصفات الضعف والخيانة، والجشع والخسة والنذالة والتهتك، بل نسب إليهم هؤلاء اليهود المجرمون جرائم الزنا وشرب الخمور والقتل.. وكأن الله عندما اختارهم لم يكن يعلم عنهم شيئا، وإنما خبط عشواء، فجاءوا على خلاف ما يرجو وما يهوى.
نوح يسكر ويتعرى
في سفر التكوين جاء في وصف نوح عليه السلام: "وابتدأ نوح يعمل فلاحا، وغرس كرما وشرب من الخمر، فسكر وتعرى داخل خبائه، وأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه، وأخبر أخويه خارجا".
وأما القرآن الكريم فقد امتدح نوحا عليه وسلام بما هو أهله فقال: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}(الإسراء:3).
لوط يسكر ويزني بابنتيه
وأما لوط نبي الله الكريم الذي أقر له قومه المجرمون بأنه وأهل بيته أناس يتطهرون، فهو في التوراة المحرفة إنسان آخر، يسكر ويزني ويأتي الفاحشة..
فقد ذكروا في (سفر التكوين 19: 30 ـ 38) عنه أفحش ما يوصف به إنسان: "وَصَعِدَ لُوطٌ مِنْ صُوغَرَ وَسَكَنَ فِي الْجَبَلِ وَابْنَتَاهُ مَعَهُ لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَسْكُنَ فِي صُوغَرَ. فَسَكَنَ فِي الْمَغَارَةِ هُوَ وَابْنَتَاهُ. وَقَالَتِ الْبِكْرُ لِلصَّغِيرَةِ: «أَبُونَا قَدْ شَاخَ وَلَيْسَ فِي الأَرْضِ رَجُلٌ لِيَدْخُلَ عَلَيْنَا كَعَادَةِ كُلِّ الأَرْضِ. هَلُمَّ نَسْقِي أَبَانَا خَمْراً وَنَضْطَجِعُ مَعَهُ فَنُحْيِي مِنْ أَبِينَا نَسْلاً». فَسَقَتَا أَبَاهُمَا خَمْراً فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَدَخَلَتِ الْبِكْرُ وَاضْطَجَعَتْ مَعَ أَبِيهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلاَ بِقِيَامِهَا. وَحَدَثَ فِي الْغَدِ أَنَّ الْبِكْرَ قَالَتْ لِلصَّغِيرَةِ: «إِنِّي قَدِ اضْطَجَعْتُ الْبَارِحَةَ مَعَ أَبِي. نَسْقِيهِ خَمْراً اللَّيْلَةَ أَيْضاً فَادْخُلِي اضْطَجِعِي مَعَهُ فَنُحْيِيَ مِنْ أَبِينَا نَسْلاً». فَسَقَتَا أَبَاهُمَا خَمْراً فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَيْضاً وَقَامَتِ الصَّغِيرَةُ وَاضْطَجَعَتْ مَعَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلاَ بِقِيَامِهَا, فَحَبِلَتِ ابْنَتَا لُوطٍ مِنْ أَبِيهِمَا. فَوَلَدَتِ الْبِكْرُ ابْناً وَدَعَتِ اسْمَهُ «مُوآبَ» - وَهُوَ أَبُو الْمُوآبِيِّينَ إِلَى الْيَوْمِ. وَالصَّغِيرَةُ أَيْضاً وَلَدَتِ ابْناً وَدَعَتِ اسْمَهُ «بِنْ عَمِّي» - وَهُوَ أَبُو بَنِي عَمُّونَ إِلَى الْيَوْمِ)(تكوين 19: 30 ـ 38).
لا إله إلا الله.. والله إن هذا ليترفع عنه الفاسقون الفاسدون المجرمون، فكيف ينسب مثل ذلك إلى نبي من أنبياء الله الطيبين الأكرمين، والعجيب أنه أتى لينهى قومه عن الفاحشة ويتوعدهم بعقاب الله، ثم بعد ذلك ينسب إليه مثل هذا الفعل الشنيع. سبحانك هذا بهتان عظيم.
وداود وسليمان
وقالوا عن داود ـ وهو من أكرم أنبيائهم، وأعظم ملوكهم، وصانع مجدهم ـ أنه رأى زوجة قائده أوريا فأعجبته، وأنه زنا بها، وأنه تحايل لقتل أوريا بإرساله على رأس جيش إلى مكان مهلك حتى يقتل ويموت ليستأثر هو بامرأته. فأي خسة ونذالة، وأي غدر وخيانة ينسبها هؤلاء الأفاكون إلى نبي الله الذي قال الله عنه: {نعم العبد إنه أواب}(ص:30).
وقالوا عن سليمان إنه ساحر، وأنه تزوج بنساء مشركات، وأنه عبد الأصنام معهم، ثم بنى للأصنام بيتا للعبادة. جاء في الملوك الأول (11: 3 ): " كانت له سبع مئة من النساء السيدات و ثلاث مئة من السراري فامالت نساؤه قلبه 11: 4 و كان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة اخرى ولم يكن قلبه كاملا مع الرب إلاهه كقلب داود أبيه".
نبي يأتي قومه لينهاهم عن الشرك ويأمرهم بتوحيد الله وعبادته دون غيره، ثم ينسب إليه أنه ترك التوحيد وأشرك برب العبيد.لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وقد برأ الله نبييه ونزههما عن هذه الأكاذيب وذلك الإفك والبهتان، ووصفهما بصفات الإيمان والفوز بالجنان فقال: {ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب...} إلى أن قال: {وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب}(ص)
هارون يأمر بعبادة العجل
زعموا أن هارون عليه السلام هو الذي صنع لهم العجل ودعاهم إلى عبادته فقالوا في (سفر الخروج) (32/1): " ولما رأى الشعب أن موسى أبطأ في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هارون، وقالوا له: قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا... فقال لهم هارون: انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وأتوني بها.... فأخذ ذلك من أيديهم وصوره بالإزميل وصنعه عجلاً مسبوكاً، فقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل". فهل يعقل أن نبيًّا أرسله الله لدعوة قومه إلى عبادة الله وحده يصنع لقومه عجلاً، ويدعوهم إلى عبادته؟! حاشا أنبياء الله من ذلك. وقد بيَّن الله عزَّ وجلَّ في القرآن أن الذي صنع لهم العجل هو السامري، فقال عزَّ وجلَّ: {قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ}[طـه:85]. أما هارون عليه السلام فقد قام بواجبه من ناحية نهيهم عن عبادة العجل، قال جلَّ وعلا: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي}[طـه:90].
زكريا ويحيى وعيسى ومريم
نشروا زكريا بالمناشير، وقدموا رأس يحيى لبغي من بغاياهم، وقالوا عن مريم بهتانا عظيما، وأنها زنت مع يوسف النجار فحملت بعيسى سفاحا. وزعموا في النهاية أنهم قتلوا عيسى وصلبوه {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ}(النساء:157) ولكنهم فعلوا ذلك وهم يعتقدون أنه رسول الله فاستحقوا العقوبة، وباءوا بلعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
موسى عليه السلام
أكثر أمة آذت الرسل هم اليهود، حتى موسى عليه السلام أعظم أنبيائهم ما سلم منهم، ولا من أذاهم، حتى ضج منهم {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ۖ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}(الصف:5).
لقد لقي منهم عنتا وعنادا وكبرا وصدا وبهتانا، وشيئا لا يوصف من الإعراض وفساد القلب فهم الذين قالوا له: {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة}، وقالوا: {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة}، وقالوا: {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون}.
ولما آذى بعض المنافقين رسول الله قال: رحم الله أخي موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر.. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا}(الأحزاب:69).
قتلهم للأنبياء والرسل
أكثر أمة أرسل الله إليها الرسل هم بنو إسرائيل، وأكثر أمة آذت المرسلين هم بنو إسرائيل، ولقد بلغ بهم الحال أنهم كانوا يقتلون أنبياءهم حتى وصفوا بأنهم
قتلة الأنبياء، وقد ذكر الله تعالى ذلك في كتابه فقال سبحانه: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ}(البقرة:87)، وقال: {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا ۖ كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ}(المائدة:70)، وقال: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا}(النساء:155).
فعاقبهم الله بالذلة والمسكنة والخزي في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ}(آل عمران:113).
وقد صح في مسند الإمام أحمد عن ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتل نبيا أو قتله نبي، أو رجل يضل الناس بغير علم، أو مصور يصور التماثيل](صحيح الجامع).
وهو عين ما توعدهم الله به يوم القيامة فقال جل في علاه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ}(آل عمران:21، 22).
فهؤلاء هم اليهود، وهذه هي علاقتهم بالنبيين والمرسلين، فإذا كان هذا حالهم فكيف ستكون حالتهم ومعاملتهم مع بقية الخلق وخاصة عباد الله المؤمنين المخلصين؟!