عرض مشاركة واحدة
قديم 10-03-2019, 05:21 AM   #1
تاريخ التسجيل: Feb 2019
العمر: 29
المشاركات: 1,003
التقييم: 10
تاريخ التسجيل: Feb 2019
العمر: 29
المشاركات: 1,003
التقييم: 10
افتراضي ضوابط عامة في وسائل الدعوة

(وسائل الدعوة) جملة مركبة من كلمتين: "وسائل" وهي مضاف، و"الدعوة" وهي المضاف إليه، ولا يعرف المقصود من هذا التركيب الإضافي إلا بعد معرفة معنى كل كلمة منه.

فإذا عرفنا الدعوة بأنها "طلب تغيير الواقع الحياتي للناس بالقول والفعل ليكون موافقا للشريعة في جميع مناحي الحياة"؛ فإن وسائل الدعوة هي الطرق التي يتوصل بها إلى ذلك.

وقد تكلم أهل العلم في ماهية وسائل الدعوة واختلفوا فيما بينهم حول هذه الوسائل وهل هي توقيفية أم اجتهادية؟ فذهب إلى كلٍّ قوم، وانتصر كل لمذهبه بما يراه موافقا له ودليلا عليه، وكل مريد للخير: فهؤلاء يريدون صيانة الدعوة عن أن توصم بالابتداع والإحداث في الدين، وأولئك أرادوا أن يفتحوا أبواب الدعوة أمام الناس لولوج الدين واتباع هدي سيد المرسلين، وأن يستعملوا كل وسيلة طالما لم يمنع الشارع منها ولم ينه عنها، وكلهم يريد مصلحة الدين وانتشار الدعوة.

والحق الذي لا مرية فيه أن هذه المسألة من المسائل التي ينبغي ردها للكتاب والسنة، واستقراء عمل السلف وسبيلهم مع اعتبار كلام الأئمة المعتبرين من أهل السنة والجماعة.

والمتتبع للآثار النبوية والطرق المصطفوية يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستعمل في دعوته كل الوسائل المتاحة، بل وربما استحدث وسائل أخرى لم تكن معلومة في وقته صلى الله عليه وسلم.

ومما لا شك فيه أيضا أن العلم الحديث قد فتح آفاقا لمخاطبة الناس وسبلا للتخاطب ووسائل للتواصل لم تكن معهودة من قبل يرى القائلون باجتهادية الوسائل الدعوية أن الرأي الآخر يحرم الدعوة منها مع عدم مصادمتها للدين أو مخالفتها للشرع القويم وأن تركها تفويت لمصالح مرجوة أو غالبة.. خصوصا وأصوليات الشريعة لا تمنع من استعمال المستجد والمستحدث إذا كان منضبطا تحت قواعدها وأصولها ولا يخرج عن منهجها القويم وطريقها السديد المستقيم، والأمثلة على ذلك أوضح من أن يستدل عليها.

ضوابط عامة
ورغم أننا نميل إلى أن الوسائل الدعوية ليست توقيفية، وإنما هي اجتهادية، كما أفتى به جمع من العلماء المعاصرين، إلا أن قبول أي وسيلة أو ردها ينبغي أن يكون منضبطا بضوابط الشريعة، ويمكننا تلخيص هذه الضوابط في خمسة أمور:
1 ـ الوسائل التي ورد النص بمشروعيتها مشروعة بلا خلاف: كوسيلة القول: {وقولوا للناس حسنا}، والكتابة: {ن والقلم وما يسطرون}، والرسائل: (فقد كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم للملوك والرؤساء).

2 ـ وسائل ورد الدليل بحرمتها ممنوعة بالاتفاق: كتحريم الكذب لحديث [وإن الكذب يهدي إلى الفجور]، وتحريم الكبر {ولا تصعر خدك للناس}، والإكراه {لا إكراه في الدين}.

3 ـ الوسائل المختلف فيها: وهو ما لم يرد فيه نص بتحليل أو تحريم، واختلف العلماء فيها فغلب جماعة جانب الحرمة، وآخرون جانب الإباحة. كالتصوير والتمثيل. وهذه ننبه فيها لأمور:
. يمكن استخدامها حال الضرورة والحاجة الملحة.
. يتورع عن استخدامها عند عدم الحاجة أو الضرورة.
. لا ينبغي الإنكار على المخالف فيها لأنه من اختلاف الاجتهادات. قال سفيان الثوري: (إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي اختلف فيه وأنت ترى غيره، فلا تنهه) "الحلية 6/368".
. من ترجح له فيها قول يمكنه أن يدعو إليه بلطف مبينا دليله مع احترام الرأي الآخر.

4 ـ الوسيلة المشوبة بالحرام:
وهذه لها حالان:
. إما أن يمكننا تخليصها مما شابها من الحرام، فعند ذلك نخلصها ثم نستخدمها (كالنذير العريان)، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على الصفا ونادى قريشا كما كان يفعل النذير غير أنه لم يتعر ولم يجدع أنفا ولم يفعل ما يرى أنه مخالفة لدينه ودعوته.
. وإما لا.. فعند ذلك لابد من اتخاذ قرار جماعي من العلماء العاملين في حقول الدعوة بشأن المشاركة فيها أو عدمه.

5 ـ خروج الوسيلة عن كونها شعارا لكافر: كما في موضوع الأذان "فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل بوق اليهود ولا ناقوس النصارى، حتى أري بعض الصحابة الأذان فأخبر النبي فأمر به وشرع من يومها الأذان للصلاة".

فهذه بعض الضوابط التي يمكن أن يستعان بها في التعامل مع الأساليب الدعوية ومدى استعمالها من عدمه.. إنما أردنا بها تسهيل الأمر على الدعاة في الحكم على تلك الوسائل قبولا أو ردا.
والله تعالى من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
- المدخل لعلم الدعوة: البيانوني.
- أصول الدعوة: عبدالكريم زيدان.

القيصر غير متواجد حالياً   اقتباس