نظمت مؤسسة دار الحديث الحسنية بالرباط/المغرب بالشراكة مع مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي بلندن،
ندوة علمية تحت عنوان:
تحقيق مخطوطات علوم
القرآن الكريم: الأصول، القواعد، المشكلات، وذلك في الفترة (20-25/جمادى الأولى/1437ه) الموافق (29/2/-5/3/2016م) وذلك بمقر مؤسسة دار الحديث الحسنية بالرباط.
شارك في هذه الندوة ثلة من العلماء الأفاضل، وقُدِّم فيها اثنتا عشرة محاضرة، تناولت بالدرس والتحليل أساسيات البحث في
مخطوطات القرآن الكريم وعلومه.
جاءت المحاضرة الأولى تحت عنوان: في
تحقيق نسبة المخطوط: تفسير الطبراني المزعوم أنموذجاً، قدمها الأستاذ بشار عواد معروف.
أشار الأستاذ في محاضرته إلى أهمية إثبات نسبة المخطوط لصاحبه كأصل من أصول
تحقيق النصوص في مختلف العلوم جميعاً، وذلك باتباع الأساليب العلمية المعتمدة في أصول التحقيق.
كما بين المحاضر أن انتحال المؤلفات، أو نسبتها إلى غير مؤلفيها له دوافع متباينة، كالترويج للكتاب عند نسبته لمؤلف مشهور، أو السرقة الهادفة إلى ادعاء العلم والمعرفة، ونحو ذلك.
ومثَّل المحاضر لكل ذلك بتطبيق عملي على تفسير صدر مؤخراً تحت مسمى التفسير، يزعم محققه أنه لأبي القاسم الطبراني. بتحقيق هشام البدراني، نشر الكتاب على نسخة فريدة موجودة في مكتبة ستراسبورغ بفرنسا.
وقد بيَّن الأستاذ عواد أن التفسير المزعوم لا يمكن أن يكون لأبي القاسم الطبراني، وإنما لأحد علماء الأحناف؛ إذ كل شيء فيه يدل على عدم نسبته للطبراني، وقدم بعض الأدلة على عدم صحة نسبته للطبراني، منها: أن الطبراني من كبار المحدثين الملتزمين بذكر الأحاديث والأخبار بالأسانيد، وهو أمر واضح في كتبه التي وصلت إلينا، كالمعاجم الثلاثة: الكبير، والأوسط، والصغير، ومسند الشاميين، ولم يُعْرَف أي كتاب له خالف هذا المنهج، فلا يمكن أن يخالفه في هذا التفسير.
وكذلك، فإن خط النص متأخر جداً، بل حتى الكتب المذكورة في هذا التفسير متأخرة عن الطبراني. وأيضاً، فإن المعروف عن الطبراني أنه حنبلي المذهب، وهذا التفسير حنفي بامتياز، إلى غير ذلك من الشواهد والأدلة العلمية القوية الدالة على عدم نسبة هذا التفسير لأبي القاسم الطبراني.
المحاضرة الثانية كانت تحت عنوان: المصاحف المخطوطة: جوانب العناية بها، والموقف من دراستها، قدمها الدكتور غانم قدوري الحمد.
أشاد الأستاذ غانم الحمد بمدى أهمية دراسة المصاحف المخطوطة وبيان قيمتها، خصوصاً وأنها بلغت الآلاف في خزائن العالم. وقد تناول الأستاذ غانم موضوع محاضرته وفقاً لخمسة مباحث:
المبحث الأول: دراسة الخط، والرسم، والضبط في المصاحف المخطوطة.
المبحث الثاني: دراسة القراءات القرآنية في المصاحف المخطوطة.
المبحث الثالث: دراسة فواتح السور، والعدد، وعلامات الوقف في المصاحف المخطوطة.
المبحث الرابع: دراسة الزخارف الفنية في المصاحف المخطوطة.
المبحث الخامس: موقف الباحثين من دراسة المصاحف المخطوطة.
وختم محاضرته بالتنبيه على ضرورة الاهتمام بمخطوطات المصاحف، وبين أن هذا الاهتمام قد غاب عنه الباحثون، وغفل عنه الدارسون، وأن ما تحقق من جهد في هذا المجال لا يزال محدوداً، وأكثر ما تحقق كان على أيدي المستشرقين.
المحاضرة الثالثة جاءت تحت عنوان: مطارحات وأنظار في سبيل قيم لتحقيق
مخطوطات علوم القرآن، قدمها الباحث الدكتور محمد الطبراني. عمل المحاضر من خلال محاضرته على إبراز معالم القواعد والضوابط الكفيلة بتحقيق
مخطوطات علوم
القرآن والقراءات والتفسير.
المحاضرة الرابعة حملت عنوان:
مخطوطات الرواية المشرقية في علم رسم المصحف: تعريف بها، وبيان أهميتها، قدمها الأستاذ غانم قدوري الحمد.
قسم الأستاذ قدوري موضوع محاضرته إلى ثلاثة مباحث رئيسة:
المبحث الأول: تعريف بمصادر رسم المصحف الأولى.
المبحث الثاني: تعريف بمصادر رسم المصحف المشرقية.
المبحث الثالث: ما تضيفه كتب الرسم المشرقية من مادة علمية.
وختم الأستاذ الحمد بحثه بالقول: إن المصاحف المطبوعة اعتمدت على كُتب رسم المصحف، التي ألفها علماء الأندلس، ككتاب أبي عمرو الداني، وتلميذه أبي داود سليمان بن نجاح.
المحاضرة الخامسة كانت بعنوان:
تحقيق مخطوطات علوم
القرآن الكريم: الأسس والقواعد، قدمها الدكتور بشار عواد. عرض الأستاذ عواد من خلال محاضرته بعض المشاكل التي يعاني منها محققو كتب التفسير، ونبه في هذا الصدد إلى الجوانب التالية: دراسة النسخ، إثبات النسبة، توضيح المبهمات، ضبط وبسط الكلام، تخريج ودراسة الروايات الحديثية.
المحاضرة السادسة جاءت تحت عنوان: قراءة المخطوط بين تعدد الاحتمالات وثقافة المحقق، قدمها الأستاذ محمد جميل مبارك. وقد عرض في محاضرته لبيان أهمية الاهتمام بعلوم اللسان العربي؛ إذ امتلاك ناصية اللغة مفتاح ضروري لولوج باب التحقيق، ولفت المحاضر الانتباه إلى النقاط التالية:
- ضرورة قراءة التراث والعناية به.
- ضبط لغة المخطوط.
- فهم اصطلاحات الفن.
- فهم أسلوب المخطوط.
- ثقافة المحقق.
وقد بين المحاضر أن كثيراً من كتب التفسير حُقِّقَت بغير رواية المفسر، كـ "تفسير القرطبي" طبع برواية حفص، وهو برواية ورش، كما نص عليه مؤلفه الإمام القرطبي.
ثم ختم الأستاذ محاضرته بتقديم نماذج من أخطاء بعض المحققين.
المحاضرة السابعة كان عنوانها: التكشيف الموضوعي لكتب التفسير: الرؤية والمنهج والمقصد، قدمتها الأستاذة فريدة زمرد.
أثارت الأستاذة المعضلات التي تواجه الباحث في علوم
القرآن والتفسير من جهة أن الكثير من كتب التفسير لا يزال مخطوطاً، ولم تتوجه إليه جهود الباحثين، وأن القليل المحقق لا تتوفر فيه الشروط العلمية في التحقيق، وأن القليل من القليل المحقق غير مكشّف، ولما كانت مسالك التحقيق وعرة، ومتطلباتها كثيرة قد ينوء الباحثون بثقلها، تأتي أهمية التكشيف الموضوعي الذي يعدُّ مساعداً ومتمماً لعملية التحقيق.
المحاضرة الثامنة جاءت تحت عنوان: المدخل إلى
تحقيق المخطوطات، قدمها الأستاذ بشار عواد معروف. سعى الأستاذ الفاضل في محاضرته إلى وضع المعالم الرئيسة لمنهج
تحقيق النصوص، وطرق التعامل مع النسخ الخطية، وذكر إشارات علمية ونصائح مفيدة لطلبة العلم، حتى تكون تحقيقاتهم معتبرة، كما ذكر بعض الهنات والأخطاء التي وقع فيها بعض المحققين وعرض مجموعة من النماذج لذلك.
المحاضرة التاسعة جاء عنوانها:
تحقيق المتن القرائي: إلمامات في مرجعية التأصيل وسياقات التنزيل، قدمها الدكتور توفيق العبقري.
بين المحاضر أن المراد بهذا العنوان التنبيه على طبيعة النص القرائي، الذي يحمل في فحواه العبارة التنزيلية، ويقع من خلاله الإخبار عن التعاور الأدائي لكلمة الوحي الكريم، ويبادر إلى كل ما يسهم في إقامة متنه، وتصحيح مبناه على وجه علمي.
ويُقصد بالمتن القرائي -كما ذكر الأستاذ المحاضر- كل نص يحمل في صورته التأليفية العلم القرائي في مختلف منازعه المعرفية وطرائقه المنهجية، بدءاً من نشأة التسطير فيه، ومروراً بأسفاره الأولى ومدوناته المتعاقبة إلى اليوم.
المحاضرة العاشرة جاءت تحت عنوان: التعامل مع النصوص الحديثية عند
تحقيق مخطوطات التفسير وعلوم
القرآن الكريم، قدمها الأستاذ بشار عواد معروف.
أشار المحاضر بداية إلى أن الهدف من
تحقيق الكتاب المخطوط هو إخراجه كما كتبه مؤلفه، وارتضاه آخر حياته ما استطاع المحقق إلى ذلك سبيلاً، ثم التعليق عليه بما يعزز الوصول إلى هذه الغاية، ثم تجلية النص وإزالة إبهامه، ثم التعليق عليه بما ينفع مستفيده.
وقد أوضح الأستاذ عواد أن التعليقات على الكتاب المخطوط تتباين من مخطوط لآخر، حيث يتطلب كل علم من العلوم وضع منهج خاص للتعليق عليه بما يفيد المستفيد منه، ثم إلى تنوع أوجه العناية بالمخطوط حسب طبيعته، فعَمَلُ المحقق في كتب التفسير لا كعمله في غيرها من الكتب، والعناية بالحديث والآثار إنما تتصل بالمخطوطات المعنية بالتفسير بالمأثور عموماً، سواء أكانت مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو موقوفة على الصحابة والتابعين أو مفسرين.
وعرض الأستاذ عواد لتحقيقات بعض العلماء، كتحقيق الشيخين أحمد شاكر، ومحمود شاكر لـ "تفسير الطبري"، وذكر بعض التجاوزات في تصحيح كثير من الأحاديث الضعيفة، وختم حديثه بأن خدمة العلَّامتين لما حققاه من "تفسير الطبري" كانت متميزة، وتمنى على الباحثين نهج طريقهم في التحقيق.
المحاضرة الحادية عشرة كان عنوانها: المخطوطات المجهولة المؤلفين: أهميتها، وكيفية التعامل معها (مخطوطات علم التجويد أنموذجاً)، قدمها الأستاذ غانم قدوري الحمد.
افتتح الأستاذ محاضرته بالتنبيه على قيمة هذا النوع من المخطوطات، خصوصاً وأن فهارس المخطوطات لا تساعد في التعرف على المخطوط المجهول المؤلف أو العنوان، فكثير منها لا ينقل فاتحة المخطوط. ويشكل هذا النوع من المخطوطات نسبة عالية من المخطوطات التي تحتفظ بها مكتبات العالم، وحث المحاضر الطلبة على ضرورة الاهتمام والانكباب عليها لحل ألغازها والكشف عن كثير من الدواوين العلمية.
وقد عالج الأستاذ موضوع محاضرته وَفْقَ ثلاثة مباحث:
الأول: موقف المفهرسين من المخطوطات المجهولة المؤلفين.
الثاني: موقف المحققين والباحثين من المخطوطات المجهولة المؤلفين.
الثالث: دراسة تطبيقية حول مخطوط مجهول.
وأشار الأستاذ الحمد في ختام محاضرته إلى أن المخطوطات المجهولة تحتاج إلى عناية من كل الفاعلين في هذا الحقل العلمي من مفهرسين ومحققين ومؤسسات مهتمة.
المحاضرة الثانية عشرة جاءت تحت عنوان: مناهج
تحقيق الروايات الإسرائيلية في كتب التفسير، قدمها الأستاذ بشار عواد معروف.
ذكر الأستاذ بشار عواد فيما يتعلق بإيراد الإسرائيليات في التفاسير أنها تحتاج إلى وقفة منصفة لا بد منها، لبيان مسألة أكثر الناس القول فيها بغير علم ومعرفة، ووضح أن الإسرائيليات تشمل ما نُقل عن كتب اليهود والنصارى، وهي التوراة، ومنها الزبور، وأسفار الأنبياء، وما يُعرف بالعهد القديم، وما يتعلق بهذا التراث وهذا الكم الهائل يسمى بالإسرائيليات المدونة والشفوية.
وبين الأستاذ عواد أن الإسرائيليات عموماً على ثلاثة أضرب:
- ما هو موافق لشريعتنا، أو موافق لما نُقل عن نبينا صلى الله عليه وسلم بالأسانيد الصحيحة، فهذا مقبول لا مشاحة فيه.
- ما عُلم كذبه؛ لمخالفته شرعنا، أو منافاته للمنطق والعقل، وهذا مرفوض، لا ينبغي التعويل عليه، ولا الركون إليه.
- ما هو مسكوت عنه، ليس فيه ما يحلل حراماً، ولا يحرم حلالاً، كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار) رواه البخاري.
وقد تطرق المحاضر إلى مذاهب العلماء في التعامل مع الإسرائيليات خصوصاً ما جاء موقوفاً على الصحابة رضي الله عنهم، أو التابعين، موضحاً أهمية توثيق الروايات الإسرائيلية؛ وذلك بدراسة الإسناد استناداً إلى مناهج المحدثين في رواية الأخبار من حيث الاتصال وحال الرواة تعديلاً وجرحاً، واختصاصهم بالتفسير؛ لمعرفة صحيح ما يُروى من الإسرائيليات من سقيمها.