تفسير ابن كثر - سورة الأنفال - الآية 12

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) (الأنفال) mp3
وَقَوْله " إِذْ يُوحِي رَبّك إِلَى الْمَلَائِكَة أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا " وَهَذِهِ نِعْمَة خَفِيَّة أَظْهَرَهَا اللَّه تَعَالَى لَهُمْ لِيَشْكُرُوهُ عَلَيْهَا وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَبَارَكَ وَتَمَجَّدَ أَوْحَى إِلَى الْمَلَائِكَة الَّذِينَ أَنْزَلَهُمْ لِنَصْرِ نَبِيِّهِ وَدِينه وَحِزْبه الْمُؤْمِنِينَ يُوحِي إِلَيْهِمْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أَنْ يُثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالَ اِبْن إِسْحَاق : وَآزِرُوهُمْ وَقَالَ غَيْره : قَاتِلُوا مَعَهُمْ وَقِيلَ كَثِّرُوا سَوَادهمْ وَقِيلَ كَانَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَلَك كَانَ يَأْتِي الرَّجُل مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ فَيَقُول سَمِعْت هَؤُلَاءِ الْقَوْم يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ يَقُولُونَ وَاَللَّهِ لَئِنْ حَمَلُوا عَلَيْنَا لَأَنْكَشِفَنَّ فَيُحَدِّث الْمُسْلِمُونَ بَعْضهمْ بَعْضًا بِذَلِكَ فَتَقْوَى أَنْفُسهمْ حَكَاهُ اِبْن جَرِير وَهَذَا لَفْظه بِحُرُوفِهِ وَقَوْله " سَأُلْقِي فِي قُلُوب الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْب " أَيْ ثَبِّتُوا أَنْتُمْ الْمُؤْمِنِينَ وَقَوُّوا أَنْفُسهمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ عَنْ أَمْرِي لَكُمْ بِذَلِكَ سَأُلْقِي الرُّعْب وَالذِّلَّة وَالصَّغَار عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي وَكَذَّبَ رَسُولِي " فَاضْرِبُوا فَوْق الْأَعْنَاق وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنَان " أَيْ اِضْرِبُوا الْهَامَ فَفَلِّقُوهَا وَاحْتَزُّوا الرِّقَاب فَقَطِّعُوهَا وَقَطِّعُوا الْأَطْرَاف مِنْهُمْ وَهِيَ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى " فَوْق الْأَعْنَاق " فَقِيلَ مَعْنَاهُ اِضْرِبُوا الرُّءُوس قَالَهُ عِكْرِمَة وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَيْ عَلَى الْأَعْنَاق وَهِيَ الرِّقَاب قَالَهُ الضَّحَّاك وَعَطِيَّة الْعَوْفِيّ وَيَشْهَد لِهَذَا الْمَعْنَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَرْشَدَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى هَذَا فِي قَوْله تَعَالَى " فَإِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْب الرِّقَاب حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاق " وَقَالَ وَكِيع عَنْ الْمَسْعُودِيّ عَنْ الْقَاسِم قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لِأُعَذِّب بِعَذَابِ اللَّه إِنَّمَا بُعِثْت لِضَرْبِ الرِّقَاب وَشَدِّ الْوَثَاق " وَاخْتَارَ اِبْن جَرِير أَنَّهَا قَدْ تَدُلّ عَلَى ضَرْب الرِّقَاب وَفَلْق الْهَام قُلْت وَفِي مَغَازِي الْأُمَوِيّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَمُرّ بَيْن الْقَتْلَى يَوْم بَدْر فَيَقُول " يَفْلِق هَامَا " فَيَقُول أَبُو بَكْر : مِنْ رِجَال أَعِزَّة عَلَيْنَا وَهُمْ كَانُوا أَعَقّ وَأَظْلَمَا فَيَبْتَدِئ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَوَّلِ الْبَيْت وَيَسْتَطْعِم أَبَا بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِنْشَاد آخِره لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُحْسِن إِنْشَاد الشِّعْر كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْر وَمَا يَنْبَغِي لَهُ " وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس : كَانَ النَّاس يَوْم بَدْر يَعْرِفُونَ قَتْلَى الْمَلَائِكَة مِمَّنْ قَتَلُوهُمْ بِضَرْبِ فَوْق الْأَعْنَاق وَعَلَى الْبَنَان مِثْل سِمَة النَّار قَدْ أُحْرِقَ بِهِ وَقَوْله " وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنَان " قَالَ اِبْن جَرِير مَعْنَاهُ وَاضْرِبُوا مِنْ عَدُوّكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ كُلّ طَرَف وَمَفْصِل مِنْ أَطْرَاف أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ وَالْبَنَان جَمْع بَنَانَة كَمَا قَالَ الشَّاعِر : أَلَا لَيْتَنِي قَطَّعْتُ مِنْهُ بَنَانَهُ وَلَاقَيْته فِي الْبَيْت يَقْظَان حَاذِرَا وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنَان " يَعْنِي بِالْبَنَانِ الْأَطْرَاف وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاك وَابْن جَرِير وَقَالَ السُّدِّيّ الْبَنَان الْأَطْرَاف وَيُقَال كُلّ مَفْصِل وَقَالَ عِكْرِمَة وَعَطِيَّة الْعَوْفِيّ وَالضَّحَّاك فِي رِوَايَة أُخْرَى كُلّ مَفْصِل وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي قَوْله تَعَالَى " وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنَان " قَالَ اِضْرِبْ مِنْهُ الْوَجْه وَالْعَيْن وَارْمِهِ بِشِهَابٍ مِنْ نَار فَإِذَا أَخَذْته حَرُمَ ذَلِكَ كُلّه عَلَيْك . وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس فَذَكَرَ قِصَّة بَدْر إِلَى أَنْ قَالَ : فَقَالَ أَبُو جَهْل لَا تَقْتُلُوهُمْ قَتْلًا وَلَكِنْ خُذُوهُمْ أَخْذًا حَتَّى تُعَرِّفُوهُمْ الَّذِي صَنَعُوا مِنْ طَعْنِهِمْ فِي دِينكُمْ وَرَغْبَتهمْ عَنْ اللَّاتِ وَالْعُزَّى فَأَوْحَى اللَّه إِلَى الْمَلَائِكَة " أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوب الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْب فَاضْرِبُوا فَوْق الْأَعْنَاق وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَان " الْآيَة . فَقُتِلَ أَبُو جَهْل لَعَنَهُ اللَّه فِي تِسْعَة وَسِتِّينَ رَجُلًا وَأُسِرَ عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط فَقُتِلَ صَبْرًا فَوَفَّى ذَلِكَ سَبْعِينَ يَعْنِي قَتِيلًا .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • إظهار الحق

    إظهار الحق : يعتبر هذا الكتاب أدق دراسة نقدية في إثبات وقوع التحريف والنسخ في التوراة والإنجيل، وإبطال عقيدة التثليث وألوهية المسيح، وإثبات إعجاز القرآن ونبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، والرد على شُبه المستشرقين والمنصرين.

    المدقق/المراجع: محمد أحمد ملكاوي

    الناشر: الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالرياض https://www.alifta.com

    المصدر: https://www.islamhouse.com/p/73718

    التحميل:

  • موضوعات صالحة للخطب والوعظ

    يحتوي هذا الكتاب على 37 خطبة استفادها المصنف من كتب العلامة ابن القيم - رحمه الله -. والخطب منها ما يتعلق بمعرفة الله - سبحانه وتعالى - بطرقه ودلائله، ومعرفة حكمته في خلقه وأمره، ومعرفة قدر الشريعة من حيث العموم وفي مسائل معينة ذكرتها، ومعرفة معجزات النبوة، ومسائل تتعلق بأعمال القلوب، ومبدأ الإنسان وميزانه ومصيره، إلى غير ذلك

    المصدر: https://www.islamhouse.com/p/70856

    التحميل:

  • سنن ابن ماجه

    سنن ابن ماجه سادس الكتب الستة على القول المشهور وهو أقلُّها درجة. - قال الحافظ ابن حجر في ترجمة ابن ماجه في تهذيب التهذيب: "كتابه في السنن جامعٌ جيِّدٌ كثيرُ الأبواب والغرائب وفيه أحاديث ضعيفة جدًّا، حتى بلغني أنًَّ السريَّ كان يقول:مهما انفرد بخبر فيه فهو ضعيفٌ غالباً، وليس الأمرُ في ذلك على إطلاقه باستقرائي، وفي الجملة ففيه أحاديثُ كثيرةٌ منكرةٌ، والله المستعان". وإنَّما اعتُبِر سادسُ الكتب الستة لكثرة زوائده على الكتب الخمسة، وقيل سادسها الموطأ لعُلُوِّ إسناده، وقيل السادس سنن الدارمي.

    الناشر: موقع أم الكتاب https://www.omelketab.net

    المصدر: https://www.islamhouse.com/p/140683

    التحميل:

  • حكمة وأسباب تحريم لحم الخنزير في العلم والدين

    حكمة وأسباب تحريم لحم الخنزير في العلم والدين: تأليف: الطبيب سليمان قوش. • تميزت هذه الدراسة بما حشدته من آراء الأقدمين من الفلاسفة والأطباء والمتدينين وآراء المعاصرين الذين استقصوا أنواع الطفيليات والجراثيم الموجودة في الخنزير ولحمه والأمراض الناتجة عن أكل لحمه فكانت النتائج مخيفة والإحصائيات للإصابات والوفيات رهيبة مرعبة. • متتبعة القضية في مختلف الشرائع السماوية خاتمة ذلك ببحث لأحد الرهبان المبشرين وهو أحد شهود القضية من أهلها ومتعاطيها. • ثم كان القول الفصل من كتاب الله تعالى تأكيدا على أن تحريم الخنزير يتفق مع الفطرة البشرية من جانب، ومع العقيدة الإسلامية من جانب آخر، وأن الإسلام في النهاية لا يريد إلا الحياة الطيبة للجنس البشري.

    المصدر: https://www.islamhouse.com/p/205974

    التحميل:

  • شرح الفتوى الحموية الكبرى [ صالح آل الشيخ ]

    الفتوى الحموية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى : رسالة عظيمة في تقرير مذهب السلف في صفات الله - جل وعلا - كتبها سنة (698هـ) جواباً لسؤال ورد عليه من حماة هو: « ما قول السادة الفقهاء أئمة الدين في آيات الصفات كقوله تعالى: ﴿ الرحمن على العرش استوى ﴾ وقوله ( ثم استوى على العرش ) وقوله تعالى: ﴿ ثم استوى إلى السماء وهي دخان ﴾ إلى غير ذلك من الآيات، وأحاديث الصفات كقوله - صلى الله عليه وسلم - { إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن } وقوله - صلى الله عليه وسلم - { يضع الجبار قدمه في النار } إلى غير ذلك، وما قالت العلماء فيه، وابسطوا القول في ذلك مأجورين إن شاء الله تعالى ».

    المصدر: https://www.islamhouse.com/p/322206

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة