تفسير ابن كثر - سورة فصلت - الآية 9

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) (فصلت) mp3
هَذَا إِنْكَار مِنْ اللَّه تَعَالَى عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ عَبَدُوا مَعَهُ غَيْره وَهُوَ الْخَالِق لِكُلِّ شَيْء الْقَاهِر لِكُلِّ شَيْء الْمُقْتَدِر عَلَى كُلّ شَيْء فَقَالَ " قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِاَلَّذِي خَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا " أَيْ نُظَرَاء وَأَمْثَالًا تَعْبُدُونَهَا مَعَهُ " ذَلِكَ رَبّ الْعَالَمِينَ" أَيْ الْخَالِق لِلْأَشْيَاءِ هُوَ رَبّ الْعَالَمِينَ كُلّهمْ . وَهَذَا الْمَكَان فِيهِ تَفْصِيل لِقَوْلِهِ تَعَالَى " خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام " فَفَصَّلَ هَهُنَا مَا يَخْتَصّ بِالْأَرْضِ مِمَّا اِخْتَصَّ بِالسَّمَاءِ فَذَكَرَ أَنَّهُ خَلَقَ الْأَرْض أَوَّلًا لِأَنَّهَا كَالْأَسَاسِ وَالْأَصْل أَنْ يَبْدَأ بِالْأَسَاسِ ثُمَّ بَعْده بِالسَّقْفِ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ " هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْع سَمَوَات " الْآيَة فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى " أَأَنْتُمْ أَشَدّ خَلْقًا أَمْ السَّمَاء بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالْأَرْض بَعْد ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَال أَرْسَاهَا مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ " فَفِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّ دَحْو الْأَرْض كَانَ بَعْد خَلْق السَّمَاء فَالدَّحْو هُوَ مُفَسَّر بِقَوْلِهِ " أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا " وَكَانَ هَذَا بَعْد خَلْق السَّمَاء فَأَمَّا خَلْق الْأَرْض فَقَبْل خَلْق السَّمَاء بِالنَّصِّ وَبِهَذَا أَجَابَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ فِيمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ عِنْد تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة مِنْ صَحِيحه فَإِنَّهُ قَالَ : وَقَالَ الْمِنْهَال عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : قَالَ رَجُل لِابْنِ عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا إِنِّي لَأَجِد فِي الْقُرْآن أَشْيَاء تَخْتَلِف عَلَيَّ قَالَ " فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ يَوْمئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ " " وَأَقْبَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ" " وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّه حَدِيثًا " " وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ " فَقَدْ كَتَمُوا فِي هَذِهِ الْآيَة . وَقَالَ تَعَالَى" أَأَنْتُمْ أَشَدّ خَلْقًا أَمْ السَّمَاء بَنَاهَا - إِلَى قَوْله - وَالْأَرْض بَعْد ذَلِكَ دَحَاهَا " فَذَكَرَ خَلْق السَّمَاء قَبْل الْأَرْض ثُمَّ قَالَ تَعَالَى " قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِاَلَّذِي خَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ - إِلَى قَوْله - طَائِعِينَ " فَذَكَرَ فِي هَذِهِ خَلْق الْأَرْض قَبْل خَلْق السَّمَاء قَالَ " وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا " " عَزِيزًا حَكِيمًا " " سَمِيعًا بَصِيرًا " فَكَأَنَّهُ كَانَ ثُمَّ مَضَى ؟ قَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا " فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ يَوْمئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ " فِي النَّفْخَة الْأُولَى ثُمَّ " نُفِخَ فِي الصُّور فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه " فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ عِنْد ذَلِكَ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ بَيْنهمْ فِي النَّفْخَة الْأُخْرَى" وَأَقْبَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ " وَأَمَّا قَوْله" وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ " " وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّه حَدِيثًا " فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يَغْفِر لِأَهْلِ الْإِخْلَاص ذُنُوبهمْ فَيَقُول الْمُشْرِكُونَ تَعَالَوْا نَقُول لَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ فَيُخْتَم عَلَى أَفْوَاههمْ فَتَنْطِق أَيْدِيهمْ فَعِنْد ذَلِكَ يَعْرِف أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يُكْتَم حَدِيثًا وَعِنْده " يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا " الْآيَة وَخَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاء ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ثُمَّ دَحَى الْأَرْض وَدَحْيهَا أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاء وَالْمَرْعَى وَخَلَقَ الْجِبَال وَالرِّمَال وَالْجَمَاد وَالْآكَام وَمَا بَيْنهمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى دَحَاهَا وَقَوْله" خَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ " فَخَلَقَ الْأَرْض وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْء فِي أَرْبَعَة أَيَّام وَخَلَقَ السَّمَاوَات فِي يَوْمَيْنِ" وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا " سَمَّى نَفْسه بِذَلِكَ وَذَلِكَ قَوْله أَيْ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يُرِدْ شَيْئًا إِلَّا أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ فَلَا يَخْتَلِفَنَّ عَلَيْك الْقُرْآن فَإِنَّ كُلًّا مَنْ عِنْد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَالَ الْبُخَارِيّ حَدَّثَنِيهِ يُوسُف بْن عَدِيّ حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن عَمْرو عَنْ زَيْد بْن أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ الْمِنْهَال - هُوَ اِبْن عَمْرو - الْحَدِيث . وَقَوْله " خَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ " يَعْنِي يَوْم الْأَحَد وَيَوْم الْاِثْنَيْنِ .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • الصداقة بين العلماء [ نماذج تطبيقية معاصرة ]

    الصداقة بين العلماء : إليكم معاشر القراء نماذج لثلاثة من العلماء المعاصرين المتأخرين تؤكد هذا المعنى وتبرهن عليه؛ حيث سيتناول الحديث نظرتهم للصداقة، وقيامهم بحقها. وهؤلاء العلماء هم: صاحب الفضيلة الشيخ العلامة محمد الخضر حسين ت 1377، وصاحب الفضيلة الشيخ العلامة محمد البشير الإبراهيمي ت 1385، وصاحب السماحة الإمام شيخنا الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز ت 1420هـ- رحمهم الله -. والباعث على اختيار أولئك الأعلام ما يأتي: 1- الشهرة الواسعة لأولئك الثلاثة. 2- كثرة علاقاتهم بعلماء عصرهم. 3- أنهم من بلاد متفرقة، فالشيخ الخضر من تونس، والشيخ الإبراهيمي من الجزائر، والشيخ ابن باز من السعودية.

    الناشر: موقع دعوة الإسلام https://www.toislam.net

    المصدر: https://www.islamhouse.com/p/172585

    التحميل:

  • لباب الإعراب في تيسير علم النحو لعامة الطلاب

    لباب الإعراب في تيسير علم النحو لعامة الطلاب: مختصرٌ وجيز في علم النحو، حوى لُبَّ اللباب في هذا الباب وفصولاً مختصرةً من غُررِه ودُررِه، جرى فيه مؤلفه على طريقة تيسير علم النحو للمبتدئين، مِمَّا يُمَهِّد للمبتدئ الاستزادة من هذا العلم، والترقِّي في مدارجه، بِمواصلة دَرسِ غيره من المتون النحويَّة كالآجرُّوميَّة، وملحة الإعراب، وغيرها من المتون النحْويَّة، ممَّا يجعل هذا المختصرِ بِحَقٍ غُنيةً للمستفيد، وبُغْيةً للمستزيد، وحِليةً للمستعِيد. منهج المؤلف في الرسالة منهجٌ جيِّدٌ ميسَّر: - فقد أدار المؤلف الشرح في المباحث النحويّة حسب البناء والإعراب، وهذه طريقة سلسةٍ تصوغُ المباحث النحويبَّة في منظومةٍ واحدة، كما يتبيَّن للقارئ. - أفـرَدَ المؤلف التوابع بقسم مستقل، ولم يذكرها في بابي المرفوعات ثمَّ في المنصوبات كما في بعض المتون النحويَّة.

    المصدر: https://www.islamhouse.com/p/2570

    التحميل:

  • المراحل الثمان لطالب فهم القرآن

    المراحل الثمان لطالب فهم القرآن: قال المؤلف: «فهذه رسالة « المرَاحِلُ الثَّمَان لطَالِب فَهْم القُرْآن »، وهي في أصلها دروس علمية ألقيت على عدد من المشرفات والمدرسات في مدارس تحفيظ القرآن النسائية، وهي رسالة علمية محضة، تتحدث عن أمر جليل القدر عظيم الأثر، يتعلق بكلام الملك الرحمن عز وجل».

    الناشر: مركز التدبر للاستشارات التربوية والتعليمية https://tadabbor.com

    المصدر: https://www.islamhouse.com/p/332061

    التحميل:

  • رسالة إلى السجناء

    في هذه الرسالة بعض النصائح والتوجيهات إلى السجناء.

    المصدر: https://www.islamhouse.com/p/209007

    التحميل:

  • التعليق على ميمية ابن القيم

    القصيدة الميمية [ الرحلة إلى بلاد الأشواق ] للإمام ابن القيم - رحمه الله -: هي قصيدة عظيمة، علمية، وعظية، تربوية، تطرق فيها لأمور كثيرة، من أهمها: مشهد الحجيج وانتفاضة البعث، وسبيل النجاة، وذكر الجنة ونعيمها. وقد شرحها بعض العلماء، منهم: العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -، وفي هذه الصفحة تعليقه - رحمه الله - عليها.

    الناشر: موقع الشيخ محمد بن صالح العثيمين https://www.ibnothaimeen.com

    المصدر: https://www.islamhouse.com/p/348432

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة